أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

كانتا قريتين متجاورتين، إحداهما حاضرة البحر والأخرى لا يصلها الماء من أي جانب، وكأن “بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا”. من ذهب من إحداهما إلى الأخرى لا يعود. ما جعل الأساطير تنتشر بين سكان القريتين، خاصة عن الشرّ المعشّش في كل قرية. وتذكرون قصة الغارة التي نفّذها جنود القرية التي لا يصلها الماء على القرية حاضرة البحر، ذات شتاء من القرن الماضي، وكيف أنهم أخذوني أنا وإخوتي ووالدتي الحامل إلى قريتهم. وكيف ربّوني وعلموني لأصير واحدا منهم، و أومن بأساطيرهم، ومنها أسطورة “الوحش” الذي يحتل قريتي، حاضرة البحر. وكيف أن والدي، لم يكن محظوظا مثلي وبقي في أسر “الوحش” في القرية.. وكيف عدت أبحث عنه بعد بضع سنين. وكيف دخلت القرية خائفا أترقب. وأني وجدت أبي سالما معافًى. وكيف كانت رحلة البحث عن والدي سببا من الله في فكّ عقدة الوحش الأسطوري الذي كان يحتل القرية. وأني أعلنت اكتشافي المذهل عبر وسائل الاعلام..

بقي أن أكشف كيف وصلت أخبار اكتشافي العظيم إلى قريتي التي لا يصلها الماء من أي جانب؟..

لأنها قرية معزولة عن العالم، في صحراء قاحلة، ليس فيها زراعة و لا موارد، يعيش سكانها، الذين ما زالوا يسكنون الخيام، على المعونات التي يقدمها لهم الرهبان. فالرهبان وحدهم من يملكون أجنحة ويستطيعون الخروج من القرية، يتسولون لدى القرى البعيدة المؤونة والدواء لسكان القرية.

ومن كراماتهم أنهم ذوو أجنحة، مثنى وثلاثا ورباعا، وأنهم أولي النعمة، في المأكل والمشرب والدواء والهواء والحياة والموت. أصبح الرهبان سادة القرية.

عقيدة الرهبان الذين يحكمون القرية التي لا يصلها الماء من أي جانب مبنية على الخرافات والأساطير،. أهمها أسطورة “الوحش” الذي “يحتل” القرية، حاضرة البحر المجاورة، التي كان رزق الناس يأتيهم إليها من مكان.

لما سمع الرهبان بالندوة الصحافية التي عقدت في مدينة السمارة وأني عائد إلى القرية، أعلنوا الطواري وغلّقوا الأبواب.. وجمعوا سكان القرية و قالوا لهم

-يا قوم، من نحن فيكم؟

قال القوم:

-أنتم سادتنا وكبراؤنا.

قال الكهنة:

-إنما تعلمون أننا ما نريكم إلا ما نر و لا نهديكم إلا سبل الرشاد.. وإن ما سمعتموه هو نعيق حمار يريد أن يفسد عقيدتكم. وقد حدث في السنين الأولى أن حمارا كان يتجول في الغابة فوجد أسدا ميتا، وخطر له أن يلبس جلده ويتقنع به، ليرى كيف ستكون ردة فعل أهل البلدة، إن هم رأوه في جلد سبع.. لبس الحمار جلد الأسد وعاد إلى البلدة، ففر كل من فيها، ظنا منهم أنه أسد. وكان الحمار سيحكم القرية، لولا أن الله خلقه حمارا. فالحمار عندما ينتشي يشعر بالرغبة في النهيق.. وفي غمرة نشوته، نسي الحمار أنه إنما كان يلبس جلد سبع وغلبت عليه فطرته فنهق.. وبذلك كشفه الله لأهل القرية وعادوا الى حياتهم.

وهذا ما حدث مع مصطفى سلمة ولد سيدي مولود.. لقد ربيناه فينا وليدا، وصبغنا عليه من نعمنا الوافرة، حتى أننا ألبسناه جلد أسد وجعلناه سيد شرطتنا ليدافع عن القرية من هجمات الكلاب والذئاب. ولكنه خالف العوائد وخرج من القرية، ورأيتم ما حدث معه. فقد أصابته لعنة، حتى كشف ستره وظهر على حقيقته، إنه مجرد حمار من حمير القرية، حاضرة البحر الذين رضوا بالذل وحكم “الوحش” ونسي أننا نحن من ألبسناه جلد أسد فخرج على الملاء في التلفاز ينهق، ظنا منه بأنه يزأر.. والعياذ بالله. وليس مستغرَبا أن يكون قد أصاب بعضا من الحشائش الخبيثة التي يقتات عليها “الوحش” الذي يحتلّ القرية حاضرة البحر، فذهب عقله. ومن أكل من تلكم الحشائش يفسُد عقله ودينه ولا يصلح له أن يعيش بينكم. لذلك، حرصا منا عليكم وعلى عقيدتكم، فإننا نحكم عليه بالنفي.

و للحكاية بقية….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *