عبد القادر العفسي 

من تناقضات العقل السياسي الفرنسي نموذج الإسراع في افتتاح فرع لحزب “ماكرو” في الأقاليم الجنوبية، وفي الوقت نفسه تستمر قناة “فرانس 24” في نشر خريطة المغرب المقسمة.. إنّ هذا الانفصام والتذاكي ليسا غريبَين عن حكام “الإيكزاكون”، الذين ما زالوا يشتغلون بعقلية  “شِيْ يْكْوِي شِيْ يبُخّ”… إن المنطق الجديد الذي يحكم السياسة الخارجية للمغرب قد حسم في ارتكازاته العقائدية بخطوط ثلاثة متساوية التماثل:

-الخط الأول: الشفافية و وضوح المواقف؛

-الخط الثاني: القضايا المقدسة للمغرب لا نقاش حولها؛

-الخط الثالث: الانفتاح على التكتلات الاقتصادية والسياسية بمنطق رابح -رابح.

بهذا المعنى فإن جزءا كبيرا من العقل السياسي الفرنسي ما زال يرفض الاقتناع بتطور الأمور نحو تموقف جديد على صعيد العلاقات العالمية ولا يزال في اللحظة ذاتها. كما يتضح أن الماضي الكولونيالي يبرر لهم ويعطيهم الحق في التدخل وفرض الشروط، وفي حالة العجز يتم الابتزاز تحت أية يافطة كانت. 

إن توالي محطات العداء الممنهج لقناة “فرانس 24″ للمغرب يُعبّر عن سلوك ابتزازي، قبل أن يكون استفزازيا، والمغرب علم بعقلية النخب الفرنسية ومنهجها في ابتزازه. لكن ما يؤسف له أنْ تُصبح هذه القناة نافذة أساسية لتواجد النخبة السياسية المغربية، والتي من المفروض أن تقاطع هذه القناة إلى حين عودتها عن غيّها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال السكوت عن المنهج العدائي لـ”فرانس 24” تجاه المغرب  طمعا في تعويضات المشاركة المباشرة!

“فرانس 24″، القناة التابعة للحكومة الفرنسية، هي قناة عمومية حكومية وليست قناة خاصة، وبالتالي فإنّ سياستها تعبر عن جزء من السياسة الخارجية الفرنسية، ليتأكد لنا أنّ فرنسا حقيقة تُلاعبنا وتداعب نخبنا إمعاناً في مزيد من الابتزاز والتنازلات المغاربية في قطاعات شتى. 

إننا نعلم أنّ فرنسا لا يهمها استقلالية القرار المغربي ولا يمكن أن تسمح بتحقق هذه الاستقلالية إلا في نطاق محدد، لأنّ مصالحها مرتبطة أساسا بإذكاء العداوات داخل المنطقة المغاربية وداخل كل بلد على حدة، فأخطبوطاتها الاقتصادية والمالية ما زالت تُعبّر عن امتعاضها من نهج المغرب سياسةً خارجية إفريقية فعّالة وناجعة ضايقت مصالح فرنسا..

لذا، فإنّ تقاسم الأدوار داخل النخبة السياسية الفرنسية يستوجب بالضرورة، وبكل روح وطنية، تَوحّد الرؤية عند نخبنا السياسية تجاه هذه القناة ومثيلاتيها الاستعمارية، ولمَ لا تحمّل المسؤولية كاملةً والدعوة إلى مقاطعتها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *