محمد الحاجي

بعد مرور الأشهر الأولى على الموسم الكروي الماضي خرج كارل هاينز رومينيغي الرئيس التنفيذي لنادي باييرن ميونيخ في ندوة صحفية مفاجئة و أعلن عن إقالة المدرب البولوني كوفاك من منصبه بسبب سوء النتائج و طريقة لعب الفريق السيئة و مشاكل في علاقة المدرب باللاعبين … الرئيس أضاف أنه سيبدأ جولة من المفاوضات مع مدربين عالميين للإشراف على الإدارة التقنية للنادي البافاري .. في انتظار العثور على الإسم الكبير أوضح كارل هاينز أن المنصب سيشغله مؤقتا مساعد كوفاك هانزي فليك ذلك الرجل الصامت الذي كان يبدو في دكة البدلاء كجهاز مسح شامل لتحركات اللاعبين و تقلبات المباريات و ردود فعل مدربي الخصوم .. لقد رأى فيه مسيرو النادي عجلة احتياط فقط لإكمال طريق الباييرن نحو العطلة الشتوية و قدوم مدرب عالمي جديد.

مبارتان بعد ذلك تحت قيادة المدرب المؤقت فليك الأولى أمام أولمبياكوس اليوناني انتصرت فيها الباييرن ب 2-0 و الثانية أمام إنتراخت فرانكفورت ب 5-1 .. الطريقة التي أطاح بها الفريق بخصومه خلال هاتين المباريتين تركت وقع الإبهار واضحا على الجمهور و المتابعين .. بنفس اللاعبين و نفس التركيبة البشرية مع تغييرات طفيفة ، لكن بتغيير عميق في النهج التكتيكي ، ظهر كأن الباييرن جاءت بفريق آخر مع فليك .. كانت 180 دقيقة من اللعب كافية ليقدم ” هانزي ” نفسه للعالم كمدرب من طينة الكبار لا يشق له غبار في ” الكوتشينغ ” .. الصفة التي بدأت تنقرض مع قرارات كثير من الواقفين خلف خط التماس في الأندية الكبرى.

عاود رومينيغي الظهور من جديد أمام كاميرات الإعلام .. قال في تصريح مقتضب: “بدأنا المفاوضات مع ماوريشيو بوتشيتينو و ماسيمو أليݣري، لكننا توقفنا الآن بعد أن اتضح لنا أن المدرب الذي نبحث عنه يتواجد بيننا و هو هانزي فليك لذلك قررنا تثبيته في منصبه حتى عام 2023″، و أضاف مادحا: “خلال فترة قصيرة جعل الفريق يبدو مختلفا تماما ويلعب كرة هجومية جذابة يجعل كل لاعبيه يشعرون بالأهمية والحب”.. قبل أن يؤكد إن “لاعبينا يحتاجون لذلك النوع من التعاطف وفليك يتمتع بذلك الأمر”.

هانز ديتير فليك المزداد سنة 1965 بمدينة هايدلبرج بالجنوب الغربي لألمانيا بدأ انخراطه في عالم كرة القدم في طفولته متأخرا .. كان إنشغاله الأول في مساره الدراسي و هدفه أن يتخرج إطارا بنكيا عاليا ، لذلك نال شهادته من جامعة المدينة مسقط رأسه و التي تعد الأقدم في البلاد .. لكن فليك جذبته سبورات خطط كرة القدم التي تشكل إحدى دعامات تكوين الناشئين في الكرة الألمانية … في مسيرته الكروية كان لاعب وسط ميدان دفاعي لا يثير الإنتباه كثيرا رغم أنه لعب لأندية مختلفة أشهرهما كولون و باييرن ميونيخ .. كان قطعة أساسية تقوم بدورها الدقيق داخل ” الماكينة ” التي اشتهر بها الجرمان في مدرستهم التاريخية العريقة.

من 1976 إلى 1996 … عشرون سنة فوق الملاعب أنهاها هانز فليك ضمن صفوف نادي فيتوريا بامينتال الألماني .. استثمر عائداته المالية في متجر عملاق للألبسة الرياضية بنفس المدينة .. دوراته في التدريب أهلته ليشرف على النادي الذي ختم به مسيرته الكروية و به منح لنفسه فرصة تجربة إمكانياته في القيادة .. بعد تجربة قصيرة انتقل إلى هوفنهايم في القسم الثاني لهدف واحد و هو الصعود بالنادي إلى الدرجة الأولى .. لكنه بعد أربع مواسم فشل في تحقيق ذلك و تمت إقالته .. عندها اقتنع فليك بقاعدة ذهبية و هي أن ” العمل في الظل يجعل الإنسان يتعلم أفضل وبلا ضغوط قبل الاستعداد للمرحلة الأهم مجددا ” كما صرح هو ذات حوار .. انطلق في تطبيق ذلك بانضمامه للعمل كمساعد للكبير الإيطالي جيوفاني تراباتوني في شتوتغارت وتعلم منه الكثير في بناء الشق الدفاعي ، ثم كمنسق رياضي في ريد بول سالزبورغ التي اكتشف فيه موهبته الكبيرة في عالم الإحصائيات التقنية الذي ترتكز عليها كرة القدم الحديثة في التحضير للمباريات و دراسة الخصوم.

عندما بدأت الأضواء تسلط على فليك رجل الظل ، التقطه يورغن كلينسمان و وضعه داخل طاقمه المشرف على منتخب ” المانشافت ” مكلفا بدراسة لعب الخصوم و تحضير التقارير عنهم بالنقطة و الفاصلة .. المنصب الذي أبدع فيه مع إدارة كلينسمان و بعده جواكيم لو ، و كان مع الأخير من أكبر المساهمين بفوز المنتخب الألماني بمونديال البرازيل 2014 الذي شهد نتيجة تاريخية بدحر الجرمان للبلد المضيف بسبعة أهداف كان لها وقع الذهول على بلاد الصامبا و العالم .. جواكيم لو اعترف بذلك بعد المونديال قائلا لصحيفة بيلد الألمانية : ” شيئان مهمان تحققا في المونديال الأخير كانا بفضل عمل كبير لهانزي فليك .. نصيحة الدفع بالقائد فيليب لام إلى وسط الميدان و تقريره المفصل عن منتخب البرازيل قبل نصف النهائي”.

استمر هانز ديتير فليك مع الجامعة الألمانية مديرا للمنتخبات الوطنية قبل أن ينتهي عقده سنة 2019 و يتحول بعدها إلى باييرن ميونيخ لمساعدة كوفاك على إعادة بريق العملاق البافاري الذي خفت خلال السنوات الماضية .. لكن الأقدار أخرجته من الظل إلى واجهة القيادة .. لكن هذه المرة محملا بزاد التجربة و التعلم ليصنع بهما فريقا يبهر العالم حاليا بطريقته المباشرة في اللعب و بروح المجموعة التي تسكنه ، و أيضا بكيفيته المذهلة في الوصول إلى المرمى و في الإجهاز على الخصوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *