حميد زريول

تقول الرواية الشعبية الشفوية أن أبا العباس السبتي (سيدي بلعباس)/(1129م1204) الذي يُعد من أكبر أولياء مراكش، و أشهر رجالاتها السبعة على الإطلاق، كان يشتغل بالحِسبة بها..و قد لاحظ تفشي ظاهرة التسول و الشحاذة، فأصدر أمره لكافة الحرفيين و المشتغلين في مجال السلع الغذائية بأن يجعلوا أول إنتاجهم صَدَقةً يتصدقون بها على المحتاجين..

و يُقال أن وطأة التسول في المدينة خفّت بشكل كبير بعد تطبيق هذه العملية، وساد نوع من التعاضد و التكافل والتآزر بين الناس، و استحسن الكل هذه المبادرة..

و من أروع ما ذُكِر في هذا الباب،  أن بائعات الخبز بمراكش الفيحاء، و بالرغم من فقرهن، كُنّ يتصدقن بخبزةٍ من “رأسمالهن” الذي لا يكاد يتجاوز العشرين خبزة..و لم تكن تشرعن في بيع الخبز  إلا بعد أن تقمن بشق “خبزة العباسية” على أربعة، و عرضها على المتسولين..

ولذلك لم يكن غريباً أن يُشاهَد السفناج مثلاً، و هو يفتتح يوم عمله بتحضير مقلاة كاملة من الإسفنج الصغير، و يتصدق بها قبل البدء في البيع..

لقد أنتقل هذا العُرف الجميل إلى البادية، فكان الفلاحون بأحواز مراكش لا يبيعون و لا يشترون إلا بعد سحب “حق سيدي بلعباس”..وكان البعض يستعمل “العباسية” كإضافة أو “وْفاية“.

فقد يحدث أن يشتري المرء عشر قطع من بضاعة ما فيعطيه التاجر البائع قطعة حاديةً عشرة قائلاً : و هذه القطعة عبّاسية!”

و حتى إذا نسي البائع تقديم “القطعةألهدية”،كان المشتري غالباً ما يُذَكّره بقوله: “وأين العباسية؟..”

وقد تعممت العباسية في مراكش و أحوازها قبل أن تنتقل إلى باقي المدن العتيقة، و كان طبيعياً في وقت ما أنّ الحفلات كانت تسبقها ولائم تُقام لإطعام الفقراء، و يُطلق عليها “حفلة العباسية“..

و برغم نسيان و تجاوز هذه العادة التضامنية الرائعة، و دخولها في خانة “عادات أيام زمان”، فإن لمساتٍ منها لا زالت تظهر من حين إلى آخر في بعض الأحياء الشعبية بالمدن العتيقة..

أستاذ/باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *