سلا: محمد الصغير

 في عام 1441ه الجاري، مر شهر شعبان وأتى بعده رمضان، وتستمر عجلة خياطة الألبسة التقليدية بسلا في التوقف عن الدوران في فترة يفترض أن يكون هذا النشاط الحرفي في أوجه، كما هو معتاد في مدينة ألفية تعطلت بها الحركة، بكل تلاوينها، في انتظار زوال جائحة لعينة (كوفيد-19) لم تترك بقعة من بقاع الأرض إلا وحلت بها.

واقع مر

وتكفي جولة بين حواري وشوارع سلا، سواء داخل أسوارها أو خارجها، للوقوف على واقع مر لم تعهده منذ قرون، حيث المحلات التجارية مقفلة ومعها المساجد والأضرحة ومختلف المرافق، باستثناء محلات القرب والخدمات، بينما المارة قلت حركتهم إلا من هم مرخص لهم بالخروج. وقد اكتست هذه الحواري لونا قاتما بسبب انطفاء الأضواء المنبعثة من وداخل وواجهات المحلات منها تلك التي تبيع أو تحيك الملابس التقليدية.

تنتشر محلات خياطة وبيع هذه الألبسة، منها الخاصة بالرجال في “حومات” بوطويل والشلالين والحجامين والحرارين سوق الغزل ورأس الشجرة وغيرها من الأحياء داخل المدينة العتيقة، باعثة حركية من خلال “المعلمين” ومساعديهم الذين تراهم يدعبون الإبر والخيوط وهم يتناكتون أو يستمتعون بأغاني تراثية أو وصلات من موسيقى الآلة أو ببرامج إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم “التي تحقق نسب استماع عالية بين مختلف الحرفيين”.

شعبان ورمضان

إذا كان هذا المشهد عاديا بسلا طوال السنة، فكيف يتصور المرء الحركة في شهري شعبان ورمضان، حيث يكفي القول بأن عائداتهما المالية قد تغطيان عمل سنة بأكملها بالنسبة لعدد من حرفيي هذا المجال.

لكن في زمن كورونا، مر شعبان “أبيض” بالنسبة لممتهني الألبسة التقليدية، والحال نفسه ينطبق على رمضان بفعل تمديد فترة حالة الطوارئ الصحية لشهر آخر بعدما كانت أقرت في 20 مارس الماضي، مما يعني عطالة ممددة لهؤلاء.

لا يتذكر أمين البرشمان (الجلابة والقميص التقليدي والجابادور، الخاصين بالذكور) بسلا، محمد الفخار، أنه عاش وضعا كهذا بإحدى العدوتين التي ورث فيها هذه الحرفة أبا عن جد، “لم أكن أتصور يوما يأتي نكون فيه متوقفين عن العمل خاصة في شهر شعبان ورمضان لإعداد ألبسة لعيد الفطر أو ليلة القدر أو عيد الأضحى”.

أمين البرشمان

في دردشة هاتفية مع “لاماب”، يقول المعلم فخار الذي يملك محلا للخياطة في “بورمادة”، وهو أحد الأحياء النابضة في المدينة العتيقة بسلا، أن هذه الحرفة لا تتوقف طيلة السنة بحكم عراقة المدينة وبحكم طابعها الديني والمحافظ الذي يميزها، لكن وتيرتها تزداد مع قرب شهر رمضان.

“مع حلول الشهر الفضيل، تكون الطلبيات قد توقفت بعد أن نكون توصلنا بها شهرا أو شهرين قبل ذلك، حتى يمكن أن يكون المنتوج جاهزا في منتصف شهر رمضان أو خلال ليلة القدر أو ليلة عيد الفطر. هو وضع عام يسري على كافة الحرفيين اعتبارا للوقت الطويل الذي تستغرقه خياطة جلباب او أي منتوج تقليدي آخر”.

ويتابع، “أعتبر أن خياطة الجلابة والجبادور هي القلب النابض لمختلف الحرف بسلا سواء تلك التي انقرضت ك”تحصارت” أو تلك التي لا زالت تقاوم.. ويخيل لي أنها أكسجين الحرف وفي توقفها تهاو لكافة الأنشطة بالمدينة”.

وبابتسامة تخفي حسرة دفينة، يختتم المتحدث دردشته بالدعاء بأن “يجعلها محنة عابرة” لأن التوقف عن الخياطة في شهري شعبان ورمضان “بمثابة شيء اقتطع منا لكونها من دمنا أكثر منها موردا للرزق”.

نفس الواقع يكشف عنه (ع ر) وهو صاحب ورشة للخياطة التقليدية للرجال والنساء بحي تابريكت، مفصحا أنه اضطر ل”تسريح مؤقت” لعشرة من المعلمين في انتظار أن يعود الوضع إلى طبيعته.

 الوقت واقفة

وقال “لا أخفيك أنني تضررت كثيرا من توقف العمل، حيث كنت مرغما على إرجاع كافة الطلبيات التي كنت تلقيتها من الزبناء قبل الإعلان عن الحجر الصحي”، مضيفا أن الوضع صار أصعب مع الاستمرار في التوقف عن العمل طيلة شهر رمضان تبعا لتمديد فترة حالة الطوارئ الصحية لشهر آخر.

“وأكيد أن المعلمين تضرروا بعض الشيء من التوقف عن العمل، لكن لحسن الحظ أن وطأة الضرر خفت قليلا بفضل تصريحي بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي صرف لهم تعويضات شهر مارس في انتظار تلقي طلبات التعويض عن شهر أبريل الجاري”.

جلاليب الدواليب

وفي خضم هذا الوضع، اضطر عدد من المهووسين بالأزياء التقليدية وجديدها بسلا إلى التخلي عن عشقهم والاكتفاء بما يخزنونه داخل دواليبهم.

ولم يجد (ع ش) مؤذن المسجد الأعظم بسلا، “المتميز بأناقته وجمال مظهره التقليدي”، بدا من تأجيل حياكة جلباب جديد كعادة دأب عليها مع حلول كل شهر رمضان تحسبا لليلة القدر، أولا بسبب إقفال كافة المحلات المعروفة ببيع الأثواب بالمدينة، وثانيا لتوقف محلات الخياطة عن العمل. وأكد “هي عادة سأتخلى عنها مضطرا في انتظار رفع الطوارئ وإعداد جلباب جديد لعيد الأضحى”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *