حسين عصيد

 

عُرف عن قايد صالح أنه رجل الأزمات في الجزائر، إلا أن اسمه طفا على السطح بقوة في الوقت الذي اندلعت فيه المظاهرات الرافضة للتطبيع مع العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث حذر آنذاك، بصفته رئيس الأركان، من إن هناك من يريد العودة بالبلاد إلى سنوات الألم والجمر، في إشارة إلى تمرد الإسلاميين في التسعينات، ومقتل 200 ألف شخص في حرب “العُشرية السوداء”.

ولد أحمد قايد صالح عام 1940 بولاية باتنة الجزائرية، وانضم إلى جيش التحرير الوطني عام 1957، وهو في الـ 17 من العمر، وبعد الاستقلال تلقى دورات تدريبية في الاتحاد السوفييتي السابق، ليتخرج منها بشهادة عسكرية من أكاديمية “فيستريل”، قبل أن يشارك في “حرب الاستنزاف” في مصر عام 1968، ثم يتدرج بعدها في السلك العسكري حتى وصل لرتبة جنرال عام 1993، حيث تولى قيادة إحدى المناطق العسكرية.

في سنة  2013 رُقي قايد صالح نائبا لوزير الدفاع خلفا لعبد الملك قنايزية، مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش الجزائري، حيث بات يُعرف منذ تلك الفترة بكونه الذراع اليمنى لبوتفليقة، حيث تردد أن قيادة الاستخبارات السابقة وعلى رأسها محمد مدين ” الجنرال توفيق” كانت تسعى للإطاحة بالرئيس خلال وجوده في فرنسا للعلاج، لكن بعد ترقيته لمنصب نائب وزير الدفاع تمكن قايد صالح من الإطاحة بعدد كبير من كبار ضباط الاستخبارات.

مكن الغیاب المتكرر للرئیس بوتفليقة في فرنسا للعلاج  قاید صالح من أن یفرض نفسه كسید مطلق للمراسیم الاحتفالات الرسمیة للنظام الجزائري، فصار یزور المناطق العسكریة ویسھر على العملیات المیدانیة ویمنح أوسمة لكبارضباط الجیش، ویسافر كثیرا الى الامارات العربیة المتحدة الشریك المحوري للجیش الجزائري.

وقد جعله حضوره على الساحة الاعلامیة أحد دعامات النظام، حضور یغطي غیاب الرئیس.ھذا الحضور الدائم أثار بسرعة قلقا لدى محیط بوتفلیقة، ليُحاول سعید بوتفلیقة، شقيق الرئيس، عدة مرات أن یقیله على المعاش بموجب مرسوم رئاسي، لكن في كل مرة، یقوم صالح بالتھدید ویؤكد على العلاقة الخاصة التي تجمعھ بالرئیس، لتُصبح العلاقة بین الرجلین مشحونة ویسودھا التوتر، ليسعى سعيد بوتفليقة للنيل منه لتسليط الإعلام عليه، حيث سعت حملة إعلامیة الى مھاجمته بعنف، متهمة إياه بالطموح لمنصب الرئيس، لكن بوتفلیقة  من مستشفاه بفرنسا رفض المساس به، تاركا إياه يشغل مناصبه إلى يوم تنحيته عن كرسي الرئاسة.

لم يتمهل  قايد صالح قبل أن يرد على معارضيه من رجال بوتفليقة، بل استغل الحراك الشعبي الذي تلا إقالة بوتفليقة، وفترة الفراغ السياسي بين إقالة هذا الأخير وتنصيب تبون رئيساً للانتقام ممن أساؤوا إليه سلفاً، حيث أطلق ما أسمي بـ “حملة الأيادي النظيفة”، اعتقل خلالها سعيد بوتفليقة والمقربين منه، قبل استهدافه للوزيرين الأولين السابقين عبد المالك سلال وأحمد أويحيى اللذان أدانتهما المحكمة بفترات سجنية ثقيلة، وكذلك إلى وزراء سابقين وقادة أحزاب في السلطة والمعارضة على حد سواء.

بعد انتخاب تبون رئيسا للجزائر، كان قايد صالح قد أصبح الاسم الذي يمثل أعلى سلطة عسكرية في البلاد، ليشرع في التهيئة لإرساء نسق حكم جديد، تتوافق فيه وجهات نظر الجيش، الحاكم الفعلي للبلاد، وتلك التي أتى بها الرئيس الجديد، إلا أن الموت لم يُمهله لإتمام مخططاته، ليتوفى اليوم الاثنين 23 دجنبر 2019 عن 79 عاماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *