حسين عصيد

 

احتفل الألمان يوم 09 نونبر بالذكرى الـ 30 لسقوط جدار برلين، وهي مناسبة سنوية يستحضر فيها سكان البلد الأسرع نمواً في أوروبا ذكرى جدار قسم العالم نصفين، وذلك ما بين سنتي 1961 و1989، وفصل العالم الاشتراكي الذي قادته الاتحاد السوفياتي منذ ثورة 1917، وبين العالم الرأسمالي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية، هذه الحرب التي أفرزت انتصاب قوتين عُظميين في القارة الاوروبية، تقاسمتا معاً الهيمنة على الأرض الشاسعة التي اكتسبتاها بعد الحرب، ومنها دولة ألمانيا التي فرض الظرف الطارئ فصلها إلى دولتين عدوتين، يقف جدار فاصل بينهما شاهداً على هول التجربة، وتطرّف الإيديولوجات التي كادت أن تجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة.

جدار بين عدوين

لم يكن جدار برلين حائطاً عادياً يروي قصص آلاف البشر الذين قضوا تحت أحجاره، بل وهو بطوله البالغ 161 كلم، كان بمثابة وقفة للزمن في مواجهة تسلط الإيديولوجيات، وفشلها في إيجاد نقاط مشتركة بينها، خاصة وأن الشيوعية والرأسمالية قد وجدتا نفسيهما في عز تفجرهما وسطوتهما، تنحنيان معاً أمام جدار بطول 3 أمتار، قضى على أي رغبة فيهما في الهيمنة على الآخر، ليشرئب لربع قرنٍ بإيناعهما، وينهار بخمودهما، لكنه بين بنائه وهدمه، شهد على قصص جريئة ومحزنة لأشخاص التمسوا الحرية ليركبوا صهوة الخطر، محاولين تجاوزه إلى البر الآخر حيث يتطاول الطموح، قُتل الآلاف منهم تحت تحت نيران البنادق، فيما تمكّن آخرون من المرور عبره بطرق لا تخطر على بال، ليرووا بعد مغامرتهم تلك قصصاً صادمة أسالت حبر في العالم الديمقراطي لعقود طويلة.

ضحايا الجدار

قبل الشروع في بناء جدار برلين الفاصل بين القوتين العظميين، سبقته إرهاصات عدة نبّهت بعض المواطنين إلى امكانية منعهم من المرور إلى البر الآخر من المدينة، وفي تلك المدة الوجيزة التي لم تتعد بضعة أشهر، كان 3.5 مليون شخص قد فروا  – قبل بنائه – بين هذه الجهة وتلك، ولكن الآحداث الحقيقية ذات الصلة بعمليات الفرار الحقيقية لم تبدأ إلا حين وضع السوفيات جنوداً على مساحات متفرقة من زواياه لتصيد المتسللين، والذي تمكنوا من اقتناص 239 شخصاً حسب ما ذكرت تقارير استخباراتية للإتحاد السوفياتي أفرج عنها بعد سقوط الجدار، غير أن تقارير مقابلة لمركز “بوتسدام للتاريخ المعاصر”، أكدت بأن نحو 3 آلاف متسلل ماتوا في ظلاله، عدد هام منهم من الأطفال والنساء.

قصص مثيرة

وتورد الصحافة الألمانية عدداً غير يسير من محاولات الهروب المثيرة عبر الجدار، أشهرها على الإطلاق كان بطلها فولفغانغ فوكس، الذي سرد تفاصيل محاولته الناجحة للهروب أسفل الأسلاك الشائكة برفقه زوجته وطفليه، حيث قال بأنه لم يكتف بأن نال حريته هو وأسرته، إذ قام بعد نجاح محاولته بتجنيد معاونين له لحفر نفقين أسفل الحائط. استغرق حفر أحد الأنفاق 7 أشهر كاملة وبلغ طوله 128 متراً، حيث امتد من سرداب أسفل مخبز في “بيرماويرشتراسه” في الشطر الغربي، إلى مرحاض بمنزل يقع بالقرب من الجانب الشرقي لسور برلين. وكان يطلق على ثغرة الهروب السرية هذه “النفق 57” وذلك لأن 57 شخصا قاموا بالزحف عبره للوصول إلى الغرب، قبل حادث إطلاق الرصاص الذي وقع في الـ 04 من أكتوبر 1964، وهو الحادث الذي أدى إلى اكتشافه وتدميره من قبل قوات حرس الحدود.

وفي أكتوبر 1976، جرت محاولة هرب مختلفة في نوعها من جانب مارتن كاشتن، وهو طبيب شاب كان يعمل بمستشفى حكومي في “بولتينهاغن” وهي بلدة ساحلية في ألمانيا الشرقية. ففي الوقت الذي كانت فيه المصابيح الضخمة تمسح الشاطئ كل بضع دقائق بحثا عن هاربين، شرع الطبيب الشاب في رحلة السباحة الأخطر في حياته، فعند منتصف الليل ألقى بنفسه وسط المياه مرتديا ملابس ضفدع بشري ومزودا بأجهزة التنفس الخاصة بالغواصين. بيد أن زوارق الدورية التابعة للنظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية التي كانت تجوب بحر البلطيق بحثا عن الساعين للهرب سباحة لم تتمكن من رصد الطبيب الشاب. وبعد 18 ساعة من السباحة المتواصلة انتشلت الطبيب المنهك القوى عبّارة سويدية كانت في طريقها إلى ميناء “ترافيمونده” في ألمانيا الغربية.

بيتر وجونتر كانوا زملاء في العمل، وأرادوا الهجرة إلى ألمانيا الغربية لتحسين حياة عائلاتهما، ولكنهما لم يستطيعان التفكير في طريقة مناسبة، إلا أن قدمت أخت جونتر لهم مجلة أمريكية تحكي عن بالونات الهواء الساخن الكبيرة، فبدأ الاثنان بالعمل على صناعة واحدة تستطيع حملهم مع عائلاتهم. وبالفعل صنعوا واحدة، إلا إن محاولاتهما الأولى والثانية فشلتا. في المحاولة الثالثة، أخذوا زوجاتهم وأطفالهم إلى تل مرتفع قريب، وصعدوا جميًعا إلى البالون. ولحسن الحظ عمل البالون هذه المرة وارتفع في الهواء، وعندما اقتربوا من عبور حائط برلين، توجهت نحوهم الكشافات، ولكن المنطاد كان على مسافة عالية جداً فلم يتمكن الحرس من إسقاطه ببنادقهم، إلى أن بدأ الغاز ينفذ، وبدئوا بالسقوط تدريجياً نحو الارض ليتملكهم رعب هائل، وحين حطوا في إحدى الحدائق، تأكدوا أنهم في برلين الغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *