إعداد: جواد مكرم

 

في خضم التجاذبات والخلافات التي تدور رحاها داخل حزب الأصالة والمعاصرة، وبالنظر إلى مخاطر الصراعات المفتعلة التي يؤججها الجناح الخصم للشرعية، وفي أفق تعبئة القيادة لمناضلات ومناضلي الحزب لمواجهة مختلف التحديات والاستحقاقات المقبلة، يرى الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة  أنه من الضروري التذكير بالمنطلقات الفكرية والسياسية التي تشكل مبرر وجود التنظيم، وذلك في سياق هاجس التدقيقفي المعين الفكري والمذهبي الذي ينهل منه الحزب في ممارسة وظائفه والتي تؤطر أيضا تحالفاته وعلاقاته بالتنظيمات السياسية الأخرى.

بنزكري مهندس الانصاف والمصالحة
بنزكري مهندس الانصاف والمصالحة

 “البام” والمرجعية

وفي هذا الصدد، يرى بن شماش أن (البام) أسس مرجعيته على الأصالة المغربية والديمقراطية الاجتماعية مع الانفتاح على قيم الحداثة وكل القيم الإنسانية الكونية الضامنة لحرية وكرامة الإنسان.

وذكر أن الحزب صاغ برنامجه على خلاصات تقرير الخمسينية الذي شخص مسار السياسات العمومية للتنمية في المغرب على مدى نصف قرن، وتقرير هيأة الإنصاف والمصالحة  التي عالجت ملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المملكة وعبدت الطريق نحو المصالحة الوطنية.

وأبرز حكيم بن شماش، في وثيقة بخط يده حصلت جريدة le12.ma ، بنسخة منها، أن ثمة حاجة إلى إعادة تحديد المرتكزات  المبدئية والهوياتية لحزب الأصالة والمعاصرة، والتذكير ببعض القضايا الجوهرية والمصيرية التي ينشغل بها والمرتبطة بمواقفه وبتموقعه في المشهد السياسي الوطني وبالرهانات والتحديات المطروحة على جدول أعمال بلادنا والتي تزيدها التحولات والتقلبات المترتبة عن المحيط الجهوي والدولي تعقيدا وضراوة- وهي قضايا يعتبر إبرازها والتذكير بها وإعادة تعريفها بالوضوح اللازم شرطا ضروريا لبلوغ الانبعاث الذي ننشد مداه الكامل.

ومن أهم هذه القضايا، بحسب بن شماش، مسألة الهوية التي لا يعتبرها مسألة قارة، ولذلك فإن الحزب بعد أزيد من عقد من تأسيسه في حاجة إلى إعادة تحديد هويته ومرجعيته، لكي يتسنى له ترسيخ وجوده القاعدي في المجتمع، خاصة في ضل  سعي خصومه السياسيين إلى نشر الضبابية بالادعاء بأن الحزب فاقد للهوية أو هو مجرد تكتل لا يجمع ناظم هوياتي وأيديولوجي.

 

العدالة الانتقالية

وعلى هذا الأساس، يقول بن شماش، إن حزب الأصالة والمعاصرة يعتبر وليد سياقات العدالة الانتقالية، وقد اجتهد في بلورة وثيقة مرجعية حدد فيها توجهاته الايديولوجية والسياسية في الديمقراطية الاجتماعية، وهي رؤية تقوم على تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، وإعادة التوزيع الفعال للثروة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وبين الأجيال، والتضامن والعمل على تحفيز النسيج الاقتصادي الوطني بآليات غير ريعية.

ومن ثم يتوفر حزبنا، بتعبير الأمين العام، على رؤية خاصة بالنظر لتوجهه السوسيو ديمقراطي تخص على سبيل التذكير لا الحصر آليات إعادة توزيع الثروة، الإطار الوطني للأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التنمية المستدامة، التأهيل الاقتصادي والاجتماعي للفئات الهشة، دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومنظومة الحماية الاجتماعية،والمقاولة الصغرى والمتوسطة، ضمانات العمل اللائق، تأهيل الاقتصاد غير المهيكل، الاقتصاد الأخضر، السياسات المندمجة للشباب، اعتبار بعد النوع في السياسات العمومية.

نزعات التحريف

 ولئن شهدت هذه الأطروحة نقاشا حادا في المؤتمر الاستثنائي بسبب اللبس الذي تولد عند البعض بين حقيقة تموقعنا الإيديولوجي، فإن المؤتمر انتهى إلى تبنيها بالأغلبية المطلقة وبتوافق تام. ولقد اعتبرنا هذه الوثيقة ميلادا ثانيا للحزب الذي أصبح يحمل رؤية سياسية وإيديولوجية واضحة، تنتمي إلى وسط اليسار.

وينتقد بن شماش نزعات التحريف التي ظهرت لدى البعض والتي مست هذا الاختيار، وهو تحريف يتخذ، بحسبه، شكلين بالغي الخطورة على استدامة مشروع حزبه.

وحدد المسؤول الحزبي، الشكل الأول، في إهمال تعميق التداول بشأن مرجعية الحزب لدى أوسع فئات مناضلاتنا ومناضلينا بمختلف ربوع الوطن، وهو تحريف وفق رؤيته، يتخذ شكل تبخيس وتهميش هذه المرجعية، مما تولد عنه تمثل خاطئ، يتقاسمه جزء من الرأي العام الوطني بكل أسف مع جزء من مناضلات ومناضلي الحزب الذين أصبحوا يعتقدون أن لا مرجعية لحزب الأصالة والمعاصرة على الإطلاق.

وأضاف بنشماش، أن محاولة تحريف مرجعية حزبه، بتهجينها، رمزيا، عبر استيراد الجهاز المفاهيمي والمصطلحي للإسلام السياسي كاستعمال مصطلح التدافع عوض الصراع والتنافس، والتنزيل عوض الأجرأة والتطبيق و الإعمال والتجويد عوض التحسين والتطوير، وتنظيميا عبر افتعال البعض منا لصراعات ذات طابع شخصي مرتكزة على أنانية متضخمة ورغبة ذاتية في التموقع وإعلان الجاهزية لتقديم خدمة “التحالف” مع قوى الإسلام السياسي، أو مع المركب الاقتصادي-الريعي-المصالحي المرتبط به موضوعيا، “وتسخين أكتافهما” لتحقيق رغبات أنانية ضيقة تتمثل في الولوج إلى انتدابات السلطة التنفيذية بأي ثمن، وبأي شكل، وتحت أي ظرف، وخارج منطق التمثيل الديمقراطي، ولو على حساب مرجعية الحزب وهويته وأدواره السياسية والمجتمعية.

ويتخذ هذا التحريف، وفق زعيم”البام”، أشكالا تواصلية، تقدم خدمة جلية لخصومنا السياسيين، وبشكل خاص لقوى الإسلام السياسي والمركب الاقتصادي-الريعي-المصالحي المرتبط به موضوعيا، ومن تلك الأشكال استيراد نماذج الخطاب الشعبوي وممارسته للتغطية على ممارسات مخالفة للشرعية ولقوانين الحزب ومؤسساته، والتطبيع مع التبخيس العلني المتعمد لعمل مؤسسي الحزب وكل أمنائه العامين السابقين، والادعاء الزائف “القرب من جهات عليا”، في مسعى يمنح على طبق من ذهب “مبررات خطابية” من “أهلنا” لمن يروج من خصومنا لأسطورة “التحكم”. على حد تعبيره.

و تتخذ نزوعات تحريف، يقول المسؤول السياسي،” مرجعيتنا صورة تهميش تلك المرجعية وتبخيسها، ومحاولة المتاجرة بها بثمن بخس في سوق المزاد الرمزي خدمة لأطماع ذاتية غارقة في الانتهازية، وتهجينها خدمة لقوى الإسلام السياسي، أو المركب الاقتصادي-الريعي-المصالحي المرتبط به موضوعيا، وفي حالات قصوى يتخذ هذا التحريف شكل إنكار وجود هذه المرجعية ذاتها، وإلا فما معنى افتعال صراعات لا سند لها من مرجعية الحزب أو من أدبياته وأهدافه؟”.

وشدد على أن عملا كبيرا ينتظرنا جميعا، والكلام دائما للأمين العام للحزب، للقطع النهائي مع النزوعات التحريفية، والنزعات الانتهازية والتقدم على درب الإغناء والتطوير المستمر لمرجعية حزبنا بالاستناد على قيمه الثابتة، قيم المشروع المجتمعي الديمقراطي المشدود إلى أفق الحداثة الواسع، قيم التضامن والعدالة الاجتماعية، قيم المواطنة، وتامغربيت، قيم التنوع وقيم الوطنية الثانية. وإن المؤتمر الرابع سيكون محطة أساسية على طريق هذه الأهداف.

المشروع مجتمعي

سيظل حزب الأصالة والمعاصرة حاملا لمشروع مجتمعي قائم على قيم (تامغربيت)، يؤكد بنشماش، مشروع استكمال بناء الدولة المغربية الحديثة على أساس قيم المواطنة والديمقراطية مع ما تقتضيه من تداول سلمي على السلطة، مشروع على النقيض من مشاريع الإسلام السياسي المستوردة من بيئة ثقافية مختلفة، والحاملة لتهديدات جدية لقيم المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، ولتنوعنا الثقافي ولمبادئ الإسلام المغربي السمح ذاتها، ولمختلف مؤسساتنا الدستورية والسياسية.

وسيظل الحزب، يشدد المسؤول نفسه، في طليعة القوى السياسية التي تعمل على الحد من الآثار السياسية والمجتمعية السلبية لمشاريع الإسلام السياسي سواء منها تلك التي في التسيير الحكومي أو التي في خارجها، وذلك بكل الوسائل التي يكفلها الدستور والقانون. و”كل من يوهم، من حزبنا، الرأي العام، بإمكان تغيير هذا الموقف الثابت، فهو لا يمثل خط الحزب، ولا يعدو تمثيل رغباته الذاتية التي لا تعني مؤسسات الحزب في شيء”. يوضح بنشماش.

الإسلام السياسي

 و يجدر بنا هنا أن نوضح إن كانت هناك حاجة إلى ذلك بأن موقفنا الثابت من الإسلام السياسي ليس تعبيرا عن تنافس عادي بين فرقاء سياسيين منضبطين لمنطق التنافس الحر حول برامج انتخابية واضحة وهو ما نفتح له أذرعنا بلا تردد وبكل احترام للأحزاب المتنافسة، يقول بنشماش، بل “إن موقفنا يرتكز إلى مرجعيتنا الحداثية والديمقراطية وما يمليه علينا وعيُنا الحاد بضرورة التموقع التاريخي – بكل أمانة وحزم – ضمن الصف الوطني بكل تنوعه، في وجه كل انزياح عن مسار بناء الدولة الحديثة أكان ذلك عن طريق خلق النعرات الطائفية أو إضعاف الانتماء للوطن على أساس “هوية” دينية مستوردة باتَ أصحابها أنفسهم يتبرأون منها اليوم، أو إرشاء الفئات المعوزة “بالمساعدات العينية” باسم الدين أو الإيهام بأن التنافس القائم هو تنافس بين مناصري الدين الإسلامي والمناهضين له”.

أضف إلى ذلك، يرى بنشماش،” توجسُنا المشروع من اندراج ظاهرة الإسلام السياسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في إطار حسابات القوى الكبرى من أجل السيطرة على هذه المنطقة من العالم مع ما تفرَّع عنه من تعطيلٍ لمسارات بناء الدولة الحديثة عن طريق اختلاق ودعم حركات دينية تستثمر ارتباط المواطنين بدينهم الحنيف كي تزيغ قطار هذا البناء عن سكته في كل بلد من منطقتنا يتأتى لها فيه ذلك”.

إن هذا التوجس، وفق حكيم بنشماش، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، والمعتقل اليساري السابق،” لم يزدد إلا رسوخا بالنظر للأحداث المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة في منطقتنا التي استحالت إلى خراب، وهو ما أكدته العديد من تصريحات واعترافات مسؤولي القوى الكبرى أنفسهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *