اعتبر حكم صادر عن محكمة مغربية في قضية تتعلق بتزويج طفلة قاصر “بشكل عرفي” بأنه فعل لا يشكل مجرد جنحة وإنما جناية اتجار بالبشر، حيث تبين أن علاقة المتهم بالطفلة كانت قائمة على استغلال وضعية هشاشتها.

وحسب ما أورده موقع “المفكرة القانونية” المعروف بنشر القرارات والاجتهادات القضائية والتعليق عليها، أمس الجمعة، فإنه “سابقة مثيرة” ومن التطبيقات القضائية “النادرة” لجرائم الاتجار بالبشر المرتبطة بتزويج الأطفال.

وتعود تفاصيل القضية وفق نسخة من حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، إلى شكاية تقدمت بها طفلة عمرها 16 سنة مفادها أن المتهم انتزع منها رضيعتها وامتنع عن تمكينها منها وكان يعرضها للضرب والاعتداء، موضحة أنها مجهولة الأب وكانت في مؤسسة لرعاية الأطفال المتخلى عنهم ونتيجة لخصامها المستمر مع العاملين بالمؤسسة فقد غادرتها وأصبحت تعيش مع المتهم.

وذكرت الطفلة في شكايتها أنها كانت “تعاشر المتهم معاشرة الأزواج فتمارس معه الجنس برضاها وقد نتج عن ذلك حمل توج بميلاد طفلتها”، مضيفة أنها تعرضت للاغتصاب من طرف شخص آخر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.

وقررت النيابة العامة متابعة المتهم من أجل جنحة العنف والتغرير بقاصر وهتك عرضها بدون عنف، وأصدرت المحكمة حكمها بعدم الاختصاص للبت في القضية لكونها جناية اتجار بالبشر.

إشكالية الزواج العرفي

وفي تعليقه على القضية، قال موقع “المفكرة القانونية” إن “هذا الحكم يعيد إلى الواجهة إشكالية الزواج العرفي” لأنه عند تعرض الطفلة لعنف أسري ولجوئها إلى القضاء تعمد بعض المحاكم إلى تكييف علاقتهما على أساس أنها تغرير بقاصر أو هتك لعرضها بدون عنف أو زواج غير موثق.

وفي تفس السياق، أشار الموقع إلى أن عددا من المحاكم لا تناقش وجود “الزواج العرفي من عدمه” في جرائم العنف الممارس ضد طفلات خاصة بعد انتهاء الأجل القانوني البمتعلق بثبوت العلاقة الزوجية غير الموثقة.

وبشأن الحكم الصادر، أبرز المصدر ذاته أنه كان لافتا بأن تناقش المحكمة توافر الأركان القانونية لجريمة الاتجار بالبشر بعدما تبين لها أن العلاقة التي ربطت المتهم بالضحية كانت قائمة على استغلال وضعية هشاشتها ولكون “المتهم أضحى يعاشرها جنسيا معاشرة الأزواج بعدما وعدها بتسوية وضعية زواجهما بطريقة قانونية“.

وسجل الموقع أن اعتبار المحكمة رضا الطفلة القاصر منعدما رغم تأكيدها في محضر الشرطة أنها عاشرت المتهم برضاها هو “تعليل متقدم ويشكل مدخلا أساسيا يمكن الاستناد عليه في المطالبة بحذف المقتضيات القانونية التي تبيح تزويج الطفلات“.

حكم وجيه

ودعت المحامية والحقوقية المغربية فتيحة اشتاتو، لضرورة تعميم هذا “الحكم القضائي الإيجابي” على جميع محاكم المملكة ونشره ليستفيد منه القضاة والمحامون في مجال العدالة والسير في نفس الاتجاه تفعيلا للقوانين والاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان خاصة لدى القاصرين.

وتتابع اشتاتو حديثها لـ”أصوات مغاربية”، بأن تكييف هذه القضية من جنحة إلى جناية “كان حكما وجيها اعتمد فيه القاضي على أسس قانونية في تعليله ونتمنى أن يكون الحكم النهائي في القضية منصفا للطفلة ورادعا للجاني بالنظر فيها كجريمة اتجار بالبشر“.

وارتباطا بظروف الطفلة القاصر، تطالب اشتاتو، وهي أيضا عضوة في “فدرالية رابطة حقوق النساء”، بمراجعة قانون الكفالة لضمان المصلحة الفضلى للأطفال وتجنبا لوقوع أي نزاع مع الكفيل قد يفضي بالمتكفل به إلى الطرد نحو الشارع والتعرض للضياع“.

وقالت المتحدثة ذاتها، إن ملابسات هذه القضية توجب “ضرورة تجريم عدم التبليغ ومراجعة قانون الإجهاض”، مؤكدة على تشديد العقوبات كي تكون رادعة بالموازاة مع تحسين الوضع الاجتماعي والعيش الكريم لأفراد المجتمع للحد منها هذه الجرائم.

مناهض لزواج القاصرات

ومن جانبها، تسجل رئيسة “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، بشرى عبده، أن الحكم القضائي “سابقة بالمغرب” ويدخل في إطار خطة العمل المندمجة لرئاسة النيابة العامة من أجل مناهضة زواج القاصرات، لافتة إلى أن هناك قاصرات بعقد زواج موثق وأخريات بزواج “عرفي” أو “الفاتحة“.

وترجح عبده في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أن هذا الحكم لن يبقى الحديث عنه في محكمة القنيطرة بل سيعمم كنموذج في محاكم أخرى للسير نحو تفعيله بشكل واسع للتخفيف من جرائم الاتجار بالبشر.

وتذكر الحقوقية عبده أن من شأن هذا الحكم المساهمة في “الحد من ظاهرة تزويج القاصرات بكل أشكالها وأنواعها وأيضا الممارسات التي يعتمدها أولياء الأمور للدفع ببناتهم نحو الزواج دون بلوغ السن القانوني 18 سنة“.

وفي الوقت نفسه، ترى عبده أن هناك صعوبات تقف حاجزا للحد من هذه الظاهرة ترتبط بالموروث الثقافي الذي يلعب دورا كبيرا داخل المجتمع لاسيما في المناطق الجبلية والقرى ولدى الأسر الفقيرة والهشة.

المصدر: أصوات مغاربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *