كان لافتاً عدد الناخبين الذين توجهوا نحو صناديق الاقتراع في تركيا خلال الدور الثاني لانتخابات الرئاسة. كانت نتيجة الانتخابات فوز رجب طيب أروغان، وهو ما يعني أنه سيبقى في سدة الرئاسة لفترة خمس سنوات أخرى وبالتالي ستكون فترة حكمه لتركيا.. ربع قرن.

سأعود في عمود آخر إلى حكاية هذا “الاردوغان” الذي بدأ حياته بائعاً متجولاً لعصير الليمون والحلويات المصنوعة من السمسم، ثم أصبح شخصية لها كاريزما جذابة وقدرات ملحوظة في الإقناع وحشد الجماهير خلفه.

في ظني أنه استفاد من الديمقراطية و”سلطة صناديق الاقتراع” في حين أن قناعاته السياسة بعيدة كل البعد عن القيم الديمقراطية.

شارك في انتخابات الدور الثاني عدد كبير من الناخبين. وبكل موضوعية لعب أردوغان دوراً كبيراً في تحفيز الناخبين للذهاب نحو صناديق الاقتراع.

أنتقل للحديث عن قضية دفعتها تسارع الأحداث إلى منطقة الظل.

اخترت الحديث عنها لأنها تطرح الإشكالية الأساسية حول “العملية الديمقراطية “وهي مسألة الذهاب إلى “صناديق الاقتراع” باعتبارها جوهر الديمقراطية.

في هذا السياق كان قد توجه 64 مليون ناخب تركي للتصويت في الدور الثاني.

عندما يذهب الناس إلى صناديق الاقتراع يعني ذلك أنهم ارتضوا من حيث المبدأ ما ستفرزه هذه الصناديق، في حين يفترض أن يلتزم المرشحون بالوعود التي قطعوها للناخبين.

العملية في عمقها “تعاقد أخلاقي” ولا يمكن لها إلا أن  تكون كذلك، من هنا كان التعريف القديم للديمقراطية ما يزال تعريفاً مثالياً، ذلك الذي يقول “إنها حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب“.

وهكذا نصل الى النقطة الجوهرية، أي أنه لا توجد وسيلة أخرى من غير”صناديق الاقتراع” يمكن أن تجسد “العملية الديمقراطية“.

لكن قبل الذهاب نحو “صناديق الاقتراع” لا بد من تحقيق مناخ ملائم، من ذلك الحد من أي قيود على حرية التجمع، والمساواة بين المرشحين، وبالتأكيد حرية التعبير، إذ لا يمكن ترسيخ نظام ديمقراطي في ظل إنحسار دور الإعلام، والأهم من كل ذلك تمويل الدولة لحملات المرشحين، إذ إن “تبرع الناخبين” لتمويل الحملات الانتخابية أسلوب لا يمكن أن يكون صالحاً إلا في بلد مثل الولايات المتحدة، لاعتبارات كثيرة.

أعود الآن  إلى “قضية” تراجعت لمنطقة الظل بسبب تطورات الأحداث وتسارعها في المنطقة، وأعني الانتقال المتعثر لبعض الدول الأفريقية التي كانت قد وصلت إلى حالة من التفكك والفوضى إلى مرحلة الانتخابات.

لكن بعضها حتى لا أقول كلها، ربطت التحول نحو الديمقراطية والتعدد السياسي، باستتباب الأمن، نعم هذه مسألة في غاية الأهمية، أي أن ترتبط “العملية الديمقراطية” بالاستقرار، لكن في كثير من الأحيان كان ذلك مجرد غطاء لاستمرار أنظمة شمولية. (نواصل)              

*طلحة جبريل كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *