لم أجد ما أشعر به في دواخلي، سوى تكرار  الجملة نفسها. جملة من ست كلمات تلخص كل شيء : لا‌ تبحث عن الحزن.. فهو يعرف عنوانك.

من غرائب الزمان، وأنت تعيش حزناً يستعصي على التوصيف، تتلقى للمرة الثالثة دعوة للمشاركة بكلمة في كتاب يفترض أن يصدر عن صحافية عظيمة. 

 كنت قد قررت أن أخصص جزءاً من دروسي لطلابي عن هذه الصحافية، وهي أشهر من غطى المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، واستعراض أسلوبها المتميز في طرح الأسئلة، متمنياً في دواخلي أن تقتفي إحدى طالباتي أثر هذه السيدة الرائعة.

 حقاً صحافية نادرة.

في أحد أيام يوليو قبل عشر سنوات أغمض الموت عيني الصحافية الجسورة “هيلين توماس” التي عملت عقود في تغطية أخبار البيت الأبيض.

كان من السهل جداً أن تلتقي هيلين توماس في واشنطن، على الرغم من أنها المراسلة الصحافية الأشهر في العالم، لكن من الصعب جداً أن تحصل منها على معلومات على الرغم من أنها مستودع أسرار، ربما تجاملك ببعض الجمل لكنها في الغالب تحجم عن الدخول في التفاصيل.

تقاعدت هلين توماس وهي على أعتاب التسعين، عقب تصريحات أثارت عليها عواصف. ظلت تحتفظ ولعقود بمقعدها في الصف الأمامي داخل غرفة المراسلين الذين يحضرون يومياً اللقاءات الصحافية في البيت الأبيض، أو ما يسمى “الإيجاز اليومي” مع المتحدث باسم أهم “مكتب في العالم” كما يقول الأميركيون.

أجد نفسي ممتناً لهذه السيدة حين حصلت منها على معلومات لا تقدر بثمن بشان موقف ادارة الرئيس جورج بوش، وكذا موقف إدارة باراك اوباما بشأن السودان.. الذي كان.

سأقول لكم كيف جرى اللقاء معها.

 اعتادت هيلين توماس أن تتناول عشاء مبكرا في مطعم “نادي الصحافة” في واشنطن، وذلك مكان أمضيت فيه معظم نهاراتي وأمسياتي في العاصمة الأميركية خلال سنواتي هناك . ذات مساء، استأذنتها أن نتشارك طاولة الأكل نفسها، لأن المطعم كان يغص بالأعضاء وضيوفهم. رحبت بالاقتراح. وكما هي عادة أولئك الناس مدت يدها للمصافحة. علت وجهها علامات ارتياح وهي تقول “آه تفضل، أريد أن أسمع منك”.

لا أنسى، مؤتمراً صحافياً للرئيس باراك اوباما حاول خلاله ملاطفتها عندما عرف أنها مثله ولدت في الرابع من أغسطس، لكن ذلك لم يجعله يفلت من أسئلتها، طرحت عليه سؤالاُ أربكه عندما قالت “سيادة الرئيس هل تعرف أن هناك دولة نووية أخرى في منطقة الشرق الأوسط غير إيران؟ “. 

لاحظت يومها كيف تلعثم أوباما وتعثرت فصاحته التي اشتهر بها.

 أكيد ” هيلين ” سأكتب عنك ما قل ودل.

طلحة جبريل: كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *