عبد الرزاق بوتمزار

ح. 54

عصابة الرّباط..

جميلٌ أن تكون لدى بعض الناس تلك القدرة العجيبة على أن يجعلوك تُقاسمهم اللحظةَ دون كبيرِ تكلّف أو تصنّع، تلك الرّغبة التلقائية في أن ينسج المرء علاقاتٍ صادقةً تُظهر من الحقائق أكثرَ ممّا تُخفي من الأقنعة. رحابُ الكلية مكانٌ مثاليّ لنسج مثل هذه العلاقات مع أشخاص صادقين، برؤى وأفكارٍ مُنفتحة على واقع مُشترَك تعيشه الذاكرة الجمعية، بكل آلامه وآماله.

سرعان ما تكوّنت كوكبة تتشكّل من ستة طلبة جمعتهم إجازة مُطبَّقة في إحدى كليات العاصمة. المختار كان حكيمَ المجموعة وحظي بمكانة خاصّة لدى الجميع؛ بمن فيهم الأساتذة، الذين خصّوه بحُظوة تعمّقت أكثرَ لدى بعضهم ممّن تَبيّنَ لهم أنه يليق لأن يكون مُحاوَرَهم في كلّ ما يتّصل بالعلاقة بينهم وبين الطلبة وفي ما يتعلق بالإجراءات الإدارية وبعض التعليمات التي كانت تنزل علينا من رئاسة الشّعبة. ولم نتأخّر، من جهتنا، في تعيينه ناطقاً رسميا باسمنا.

رشدي، المُجاز في الأدب الإنجليزيّ، يُجسّد نوعَ الطلبة الذين يعيشون هُنا ويُفكرون بعقلية الهُناك. لم يكن يكتفي بالتّفكير وفق العقلية الأمريكية؛ بل يلبس ويتصرّف ويتعامل على الطريقة الغربية الأنجلوسكسونية التي تبنّاها، ولا شكّ، وهو يتدرّج في أقسام دراسته، التي انتهت به إلى الحصول على إجازة جامعية في لغة شكسبير لم تنفعه في شيء، على الأقلّ حتى السنة الثانية، إذ تَمكّنَ من اللحاق بشقيق له في بلاد العم سام.

عبد العالي، ابن القنيطرة، كان لديه إصرار عجيب ورغبة كبيرة في التحصيل الجامعي، في شوطه الإضافي. يتحمّل مشاقّ السّفر في السّاعات الأولى لصباح كلّ يوم من القنيطرة والعودة إليها مساءً فقط من أجل أن يحضر المُحاضَرات. بعد حصوله على الإجازة، وجد نفسه أمام تجربة جامعية ثانية لم تمنحنا أدنى شروطِ تحصيل جامعيّ فعّال: لا منحة ولا سكناً في الحي الجامعيّ ولا أيّ امتياز آخر يمكن أن يُشجّع على الدّراسة في ظروف مُلائمة. كان التزامُ عبد العالي نموذجيا ومُحيرا.

حمّادي، ابن وجدة، وبعد إجازة في العلوم السّياسية وسنواتٍ من العطالة، لم يجد أمامه من خيار سوى أنْ يحزم حقائبه ويغادر مُجدّداً بيتَ أهله في المدينة الشّرقية ليستقرّ في الرّباط، حيث تَمكّنَ من الحصول على مسكن داخل الحي الجامعيّ السّويسي. أما الحسين فلم نتأخّر في أن نكتشف فيه مجموعة من العيوب المُثيرة للأعصاب إلى الحد الذي جعل المختار يطلق عليه، ذاتَ زلة لسانٍ جميلة، لقبَ “الحامْضْ”..

تندّرْنا باللقب كثيراً في ما بعدُ وأضحى وصفاً نتذكّره كلما لحقت أحدَنا واحدة من حماقات وخرجات صديقنا الحامْضْ. عجيبةٌ هي قدرة المغاربة على إطلاقِ الأوصاف المُناسِبة على بعضهم البعض!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *