زرت مراكش بعد فترة طالت .تولد لدي انطباع بأن المدينة تغيرت كثيراً.

اختار “الأعزاء” أن تكون الليالي الثلاث في إقامة سياحية بوسط “مدشر العربي بن بوزيد” في ضواحي المدينة “القرمزية“.

 راقتني فكرة الإقامة في وسط مدشر، أي “دوار” باللغة المحكية.

بدا لي جميلاً ورائعاً أن تكون أيامنا في ضواحي مراكش ماطرة .

تشاهد في الصباحات التلاميذ يحملون حقيبة مكدسة بالدفاتر والكتب  والأدوات نحو المدرسة التي تقع في أطراف الحي،  وفي طريق عودتهم عصراً يتقافزون ويضحكون قرب برك مياه الأمطار.

تجولت في “سوق سيدي غانم” حيث متاجر الديكور.اكتشفت المكان لأول مرة. مكان فيه العجب العجاب من الديكورات. بقيت طويلاً في متجر يعج بالمنحوتات. أصفه بكلمة واحدة: إبداع.  

أنت في مراكش إذن، لا بد من “جامع الفنا”. في هذه الساحة يلتقي الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، المشاهير والمتسولون، المبدعون والمتسكعون، المغاربة والسياح.

لاحظت أن الساحة أضحت تعج بالحشود.

 تقول الحشود؟ بل أكثر

في وسط الساحة بعض الشباب يبيعون لعبة مضيئة يرسلونها إلى الفضاء، ثم تسقط في المكان نفسه. تيقنت انه لو رمى أحدهم أبر خياطة من أعلى لسقطت فوق رؤوس زوار الساحة، من فرط الزحام.

قرود الساحة لم تعد كما كانت، بل وجدت أحفادها، قردة صغار عمرهم بضعة أشهر.

يحتشد في الحلقات كثيرون ..غناء ورقص ونكت وضحك ورواية أساطير ومروجو ثعابين .. وفرجة.

تذكرت ما قاله الراحل محمد الوفا في مجلس النواب، أيام النقاشات الملتهبة والتراشق السياسي. قال يومها بلغته المراكشية المحببة عندما تصاعد التراشق اللفظي: ” إذا أردتم أن نحول هذه القاعة إلى حلقة من حلقات جامع الفنا، نحن جاهزون“.

لاحظت أن العربات المجرورة نهاراً والثابتة في الأمسيات حيث يباع مشروب البرتقال، راحت تبيع مشروبات كل الفواكه وليس فقط البرتقال.

في الدكاكين الخلفية ما تزال أقمصة لاعبي المنتخب تجد إقبالاً. الأكثر مبيعاً أقمصة أشرف حكيمي ، وحكيم زياش.

فوق طاولات الساحة المفتوحة، رصت شرائح اللحم والدجاج والأسماك فوق صحون كبيرة، في حين وضعت إلى جانبها حبات الطماطم والبصل، نقانق اللحم في أكوام، الدجاج المقلي طلي بمادة الزعفران فأصبح أصفر اللون. شرائح ضلوع لحم الغنم مدفونة وسط الخضر وتحيط بها أكوام الزيتون والخيار. شرائح البطاطس المقلية في الجنبات والفلفل الأخضر المقلي متمدد فوق الخيار والجزر المسلوق.

بحثت عن أبناء باولو رحمه الله، كنت اصطحب الأبناء في مرات كثيرة عندما كانوا صغاراً لنتعشى بالطنجية في حانوته الصغير. تولى ابنه إبراهيم الإرث. أرث طبخ  الطنجية. تناول الصغار الذين كبروا وجبتهم كما كانوا يفعلون قبل ثلاثة عقود.

آه منك يا زمان.

طلحة جبريل: كاتب وصحفي