“ايز تسّنت تشلحيت؟”…هو أول سؤال يبادرك به علي نجيب، إذا أحس من ملامحك أن أصولك أمازيغية مغربية، فالرجل متشبث بجذوره رغم قضائه ما يزيد عن نصف قرن في مملكة السويد..
عندما يعرف مخاطبه مغربي، يرد بفرح طفولي، إنه علي بطل قصة راعي غنم في كلميم، جاور ملك السويد في كرسي الدراسة التي ترويها جريدة Le12.ma عربية، من خلال هذا البرفايل.
علي نجيب، رجل سبعيني متقد بالحماس والحيوية والأمل في خدمة بلده الأم المغرب.
بلد خرج منه مراهقًا كان يمتهن رعي الغنم، قبل أن تسوقه الأقدار ليتقلب في أعمال بسيطة في الديار الأوروبية، وينتهي به المطاف أستاذًا في أعرق جامعة في العاصمة السويدية ستوكهولم…
ولد علي بن صالح نجيب، في إحدى خيام الرحل بمنطقة گليميم، إبان فترة الاستعمار…
يعتقد أن تاريخ ميلاده ما بين 1945 و1946، لكن تسجيله في سجلات الحالة المدنية لم يتم إلا بعد سنوات بسبب فراق والديه.
عاش الطفل في كنف جديه متنقلا بين خيام الرحل ورعي الأغنام، دون أن تتاح له الفرصة للتعلم كأقرانه من أبناء أخواله لضيق ذات اليد.
لقد إنحصر تعليمه في المغرب على بضع حصص حضرها في “الجامع” لم تنجح في فك أميته…
وفاة جد علي كانت نقطة تحول في مساره، حيث تسبب إقتسام الإرث بين الأخوال إلى الانتقال بهذا المراهق إلى العيش في كنف جدته بدون عمل.
بيد أن وفاتها سيدفعه إلى الاشتغال كأجير في دكان خاله بأجر زهيده حفّزه للبحث عن السبل الكفيلة بتحسين أوضاعه وتلبية إحتياجات والدته…
لقد كان السبيل ذلك، هو الطموح للهجرة للعمل في المناجم الفرنسية التي كانت تنقب عن سواعد العمال في الجنوب الشرقي للمملكة…
المراهق النحيل خشي من أن يحرمه ضعف بنيته وصغر سنه من فرصة “نجاة” علق عليها آمالا كثيرة.
كانت الحيلة لتجاوز إختبار الوزن، هي أن يملأ جيوب سروال اقتناه خصيصا لهذا الغرض بالرمل ومناورة إستيفاء شرط السن المطلوب هو التأخر بتاريخ ميلاده إلى عام 1937 .
تغلب دهاء اليافع الودنوني على شروط المشغل الفرنسي، ليبدأ مغامرة حياته في القارة العجوز…
بدأت الرحلة منتصف ستينات القرن الماضي في سواحل مارسيليا الفرنسية.
على صخرة هذه المدينة الساحلية، ستتحطم مناورات علي، حين حال صغر سنه وضعف بنيته الجسدية دون حصوله على عمل في المناجم، لا بل لقد واجه شبح الترحيل إلى المغرب…
في خضم هذه المحن، كان للقدر تدبير آخر، ساعد علي في البقاء في فرنسا لسنتين إشتغل خلالهما بأجور بسيطة.
بيد أن إنتقاله الى هولندا كان نقطة التحول الكبرى في مسار حياته.
هي نصيحة مغربي بالانتقال إلى “جنة الله في أرضه” حسب تعبيره آنذاك، يقول علي، فكان المستقر بعد محطة هولاندا، هي مملكة السويد…
عمل علي في السويد لم يختلف كثيرأ عن الدول الأروبية التي أقام بها سابقا، لكن ما إختلف هو ملاحظته لمغادرة زملاء له في العمل للمطعم الذي كان يغسل فيه الأطباق في وقت مبكر…
أمر أثار فضوله للسؤال ليكون الجواب محفزا له في انطلاق رحلة التعلم بعد تجاوزه العشرين سنة بكثير.
على درب زملاؤه الذين كانوا يتلقون دروسًا مسائية صار علي وهو الشاب الذي لا يعرف الكتابة بلغة بلاد مملكة السويد ولا بفصحى عربية مملكة المغرب…
لقد تطور محو الأمية عند المغربي علي، إلى نيل شهادة إبتدائية، و الإعدادية، فالثانوية، فدخول الجامعة بشغف شاب طامح إلى استدراك ما فاته في طفولته…
ظل يزاوج بين التعلم والعمل، إلى حين حصوله على منحة دراسية مكنته من التفرغ لدراسته الجامعية في الاقتصاد وعلم الإحصاء في أعرق جامعة اسكندانفية بمدينة “أوبسالا”.
كانت الجامعة، غير بعيد عن عاصمة المملكة، وغير بعيد كذلك عن ولي عهدها آنذاك وملكها الحالي الذي تشارك معه علي مقاعد عدة محاضرات وعدة حوارات على هامش اللقاءات الطلابية…
سقف طموح علي لم تحده الشهادة الجامعية التي نالها بتميز، وكان بين اختيار الاشتغال بشهادته، أو الدراسة لنيل درجة الماستر، أو الشروع في مسار الدكتوراة الذي يتطلب التزامًا.
ما حصل أنه مباشرة بعد شهادة الإجازة، اختار الاختيار الأخير ليحمله إلى العودة إلى مسقط رأسه الذي غادره راعيًا للغنم، ووصل إليه بداية ثمانينيات القرن الماضي كباحث في سلك الدكتوراة يبحث التأثير الاقتصادي لمهاجري المنطقة على بلدهم الأم…
بحث علي كان فريدًا من نوعه حينها وهو ما أهله لنيل شهادة الدكتوراة بميزة جيدة بكفاح فردي وعصامية مدهشة، دون دعم عائلي، حيث يتذكر جيدًا أنه خلال مناقشته لرسالة الدكتوراة بعث لنفسه رسالة “تيليغرام“، وذلك “حتى لا يقال أنه بدون عائلة”…
شهادة الدكتوراة فتحت للمغربي علي، مجالات أرحب للعمل في نطاق تكوينه، ليجري عدة بحوث لصالح الدولة السويدية ومجلس أوروبا.
في خضم ذلك، قادته تجاربه للاشتغال لفائدة منظمة حكومية سويدية في جنوب إفريقيا إبان فترة حكم “الأبارتيد”، لإنجاز دراسة حول الجغرافيا البشرية لإحدى المناطق الرافضة لهذا النظام العنصري، تلتها دراسات عديدة ومهام أكثر أنهاها كأستاذ جامعي في نفس الجامعة التي درس بها…
بعد تقاعده فكر علي نجيب، وما يزال يفكر في نقل خبراته إلى المغرب بأي طريقة كانت، إلا أن “العراقيل” التي واجهته خلال ولاية الحكومة السابقة حالت دون ذلك، لكنه ما يزال يحمل آملًا كبيرًا في “المستقبل” ليخدم بلده الأم بمشاريع مبتكرة…