مازلت أحاول مراكمة كتابات تطبيقية لجنس”المشاهدات”، متوخياً الشعار الذي اخترته لهذا الجنس الصحافي’ “نقطع المسافات لنكتب أجمل الكتابات”. مع هذا الجنس أكتب بكثير من المزاج وأقل من الضجر.

اخترت أن أكتب لكم هذه المرة عن أزقة “لندن” و “باريس” و “كندا” و”الخرطوم”، في حي المحيط بالرباط. 

هذا حي لدي فيها حكايات وذكريات، إذ كنت ذات يوم أحد سكانه. ما زلت أتذكر صوت هدير أمواج البحر المتلاطمة ،تحمل الرذاذ المتطاير خصوصاً عندما يتصاعد المد، والتي تجعلك تخال أنك تسكن في قارب.

كانت يداية الجولة من “المركب الثقافي المهدي بن بركة”الذي ربما تدخل عمليه تجديده”موسوعة غينيس للأرقام القياسية”، إذ منذ فترة طويلة أغلق المبنى الذي كان في الأصل كنيسة، بغرض التجديد. 

لا توجد حالياً في المركب مظاهر حياة سوى بعض الحمام فوق سطح المبنى، يستمع لهديل حمامة إلى جانب نخلة باسقة تساقط جريدها وكأنها تشكو وحدتها. 

في « شارع لندن” حوانيت خضر وفواكه وتوابل وبيض وأوان ونباتات منزلية، وقن دجاج تصيح ديوكه على الرغم أن الوقت كان عصراً. أثارت انتباهي لافتتان، الأولى كتب عليها “دجاج الأحباب”  والثانية “بيع الدجاج الحر والمذبوح”. 

أترك لكم الشرح والتفسير.

بعض باعة الخضر والتوابل يفترشون الأرض. شاب يبيع الثوم ، يغالب الدنيا بايتسامة، في عينيه لمعان ذكاء، عندما لاحظ بأنني أسجل ملاحظات على كناش صغير، اقترح أن يلتقط لي بعض الصور، وطرح السؤال أياه: هل أنت صحافي؟ 

أجبته مازحاً:  “ربما”.

عرجت على “شارع باريس”. صحون التقاط صدئة فوق أسطح البيانات . حوانيت تبيع ملابس وأحذية مستعملة. زبناء من الواضح أنهم ينتمون إلى “البرولتاريا الرثة”. كانت هناك لافتة واحدة فقط في الشارع كتب عليها “هنا خياطة”. لم أجد شيئاً من باريس في « شارع باريس”، لكن هناك بنايات أنيقة.

انتقلت بعدها إلى “شارع كندا”، هنا يوجد أيضاً بعض باعة خضر، لكن ما يميزها وجود بعض باعة السمك، خاصة سمك السردين. هناك مخبزة، إذا سرت بجوارها تشم رائحة الخبز الساخن. ثمة حانون يبيع الزيوت. حوانيت صغيرة تبيع البيض.

عقب جولة لندن وباريس وكندا، اتجهت إلى أزقة خلفية حيث توجد ” شارع الخرطوم”. شارع صغير هاديء ، في بدايته توجد مقهى، زبناؤها صامتون يتأملون هواتفهم المحمولة.

ما يميز هذا الشارع وجود روضة أطفال تحمل اسماً له رنين: “لنرتقي”.

أظن أن من اتخذ قرار إطلاق أسماءعواصم إفريقية وعربية وأوروبية وأميركية ، على أزقة حي المحيط، كان مزاجه رائقاً. 

في شارع لندن و “زنقة الخرطوم”، وعادة ما تسمى الأزقة والشوارع الضيقة في المغرب بمفردة “زنقة”

طلحة جبريل: كاتب وصحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *