كانت ليلة رأس السنة استثنائية. تلقيت دعوة من صديق عزيز لزيارة فاس واستقبال السنة الجديدة في المدينة العتيقة،التي يطلق عليها أهل فاس”المدينة“.

هي بالفعل “مدينة” تجر خلفها تاريخاً بل أكثر.

 كنت في حاجة لتلك الليلة وصباحات أول يوم في السنة الجديدة، بعيداً عن ضغوطات حياة راكضة وبعض الهموم. إضافة إلى أحزان، إذ لا يبحث  عني الحزن، فهو يعرف عنواني جيداً.

تجولنا في “المدينة ” قبل أن يحل المساء .

كان هناك رواج استثنائي.الحوانيت الصغيرة تبيع كل شيء. الناس تشتري قبل أن يهبط مساء رأس السنة .

حرص الصديق العزيز أن يشرح لي كيف كانت جغرافيا المكان من قبل، وكذلك التاريخ.

قضيتنا مع التاريخ ليس تمجيده بل فهمه، وظني أن أجمل التاريخ سيكون غداً.

في زحام الأزقة التي تتلوى، تسمع لكنة أهل فاس وعبارات المجاملة وأحياناً بعض المرح .

بسبب الزحام تسمع كثيراً كلمة “بالك” (أي انتبه) التي يرددها أشخاص ينقلون السلع من مكان إلى آخر.

لفت انتباهي حوانيت تبيع الكتب .

وجدت طبعة مقلدة لكتاب “ذاكرة ملك” الذي كنت أشرفت على مراجعته وطباعته في مدريد.

مؤكد أن الحاضر معاناة والمستقبل ما نأمل فيه والماضي ما نحبه أيا كان.

عدنا بعد تلك الجولة إلى حيث سنمضي الليلة.

كانت ليلة هادئة. قرأت قليلاً ثم نوماً عميقاً بيني وبينه أزمنة، في دار تقليدية بمنطقة “البطحة“.

استيقظت فجراً على صياح ديك منفرد يبدو أنه أحس بالفجر قبل الأوان، على الرغم من ذلك رفرفت روحي مثل طائر يستقبل الربيع بعد شتاء قاس.

كان برنامج أول يوم في السنة الجديدة التجول من جديد في أزقة “المدينة”، ونتمشى في دروبها من “البطحة” إلى “الرصيف” . تقول اليونسكو إن هذا أطول طريق للمشاة في العالم.

انطلقنا باكراً لذلك لم يكن هناك زحاماً، وكانت الجولة مريحة.

بدأت جولتنا بالتعرف على دور بعض العائلات التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ “المدينة”، على سبيل المثال وليس الحصر: مكوار، والمرنيسي،  والعبادي، والمنبهي، والساغروشني.

الأزقة يطلق عليها أسماء المهنة التي كانت على غرار: العطارين ، والجزارين.

كثيرون ورثوا المهنة من الآباء والأجداد. بعضهم يحفظ جيداً تاريخ حانوته الصغير.

واضح أن التوجه السياحي أثر كثيراً على “المدينة“، إذ انتقلت من ثقافة العلم والمعرفة وأصالة التقاليد، إلى “ثقافة السياحة“.

عدد كبير من الدور التقليدية تحولت إلى دور ضيافة، من مستوى رفيع ، ولاحظت أن هناك عدداً كبيراً من السياح الأسبان. لم أجد تفسيراً لذلك. كان كثيرون في “المدينة” يتحدثون الإسبانية، وهي لغة لها موسيقى وإيقاع يشنف الآذان .

أختم وأقول.. عدت من فاس متلفعاً بالليل والصمت.

طلحة جبريل: كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *