يعتقد العديد من المدربين، في كرة القدم على وجه الخصوص، أن السلطوية في التعامل مع اللاعبين هي الأساس المتين لبناء شخصية رياضية قوية، بل ولاستخراج أقوى ما في الرياضي، ومن تم الوصول إلى القمة، وتحقيق نتائج مبهرة.

ويؤمن كثيرون بهذا المنطق، الذي يعززه لديهم، للأسف، المسيرون، سواء أكانوا رؤساء فرق، أو رؤساء جامعات، أو غيرهم ممن تتاح لهم الفرصة للتدبير أو التسيير، فلا يجدون غير السلطوية كي يبلغوا بها أفكارهم، ظانين أنها وسيلتهم الوحيدة لفرض هيبتهم داخل الفريق.

هذا واقع مرير، ففي مرة قال لي أحدهم، وكان مديرا تقنيا وطنيا، “أنت لا تفهم شيئا، بدون السلطوية في الرياضة لن يستطيع أيا كان تحقيق نتيجة إيجابية واحدة”، وكان يعني بها خضوع الرياضي لمدربه، يلغيه جملة وتفصيلا، اللهم إلا من حيث هو منفذ للتعليمات.

والحقيقة أن هذا التصور خاطئ من أساسه، وقد وضحت التجارب كارثيته على مر العصور، وأكدت المعارف الحديثة، بخاصة في مجال تدبير الموارد البشرية، وعلم القيادة (الليدرشيبين)، إلى أي حد هو مجانب للصواب، ومدمر مع مرور الوقت.

فآخر ما جادت به الدراسات الأمريكية في مجال “علم التدبير”، حسب محاضرات بثتها قناة الرسالة أخيرا، تأكد أن العنصر الحيوي في نجاح أية مؤسسة هو تدبير العواطف، والتي يعني بها المختصون الاعتناء بمشاغل المستخدمين، ما يطيح بنظرية “لا دخل لما هو خاص في الشغل“.

وينطبق هذا بشكل كبير على وضعية اللاعبين مع مدربيهم ومسؤوليهم في الفرق، حيث يجد أغلبهم مؤطرين “وجوههم عليها غبرة”، لا يملون ولا يكلون من “الصياح”، ولا يُرون مبتسمين إلا أمام “الكاميرات الشاعلة”، أو عندما يقال لهم “داز الصالير“.

فالمفترض في الرياضة بشكل عام أنها تولد علاقات حميمية بين الرياضي ومدربه، ومسيريه أيضا، وهو ما يتطلب تعاملا خاصا من جانب المدرب – المربي، بحيث يصبح أبا حين يلزم، أو أخا، أو صديقا، أو حتى منافسا، لم لا، إذا كان ذلك سيجعل من الرياضي معطاء، ويسهل عليه الطريق إلى فهم المطلوب منه، وتحقيق النتائج المرجوة.

لا يمكن لرياضي أن ينجح دون علاقات عاطفية قوية مع مدربه ومسيريه، ومن ظن أن النجاح الذي يحققه الرياضي، أو الفريق، ناتج عن السلطوية، والفوقية، وكلاهما مهين للكرامة، وحاط من الشخصية، واهم حقا، لأن النجاح في هذه الحالة مرحلي، زائف، ربما يتحقق لأن الرياضي بحاجة إلى المال، أو إلى النتيجة كي يبحث عن أفق أفضل، ولذلك فهو يجتهد بكل ما أوتي من قوة كي يكسب المزيد، ويقترب أكثر من غد جيد.

الأمثلة كثيرة جدا في واقعنا الرياضي، وهي مؤلمة بحق، ولمن يرغب في التيقن أن ينظر إلى حال الكثير من الرياضيين، والفرق أيضا، حيث كان نجاحهم يبدو كما لو أنه نتيجة لتدبير جيد، مبني على أساس متين من تدبير العواطف، وسرعان ما انهارت تلك الصورة الزائفة، وتبين أن النجاح كان صنوا للرغبة في الانعتاق.

ألم تلاحظوا أن الرياضي المغربي ما أن ينهي مساره حتى يفتح مقهى؟ (إلى سهل عليه الله). لماذا لا تواصل الأغلبية في المجال نفسه؟ ولماذا لا يكتب رياضيونا مذكراتهم؟

يونس الخراشي: صحفي مغربي متخصص في مجال الرياضة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *