كانت أمسية تدفق فيها الفرح في جميع الشوارع والساحات، وبقيت الجموع حتى الدجى.

تدثر كثيرون بالرايات، يعبرون عن فرحهم بإنجاز تاريخي.

بدا لي التدفق الاستثنائي للناس في الشوارع ومن مختلف الشرائح الاجتماعية يجسد انتصار وطن وفرحة شعب برمته.

قطعت مسافة لا تتعدى نصف كيلومتر في حدود 45 دقيقة بحي أكدال بالرباط. كانت جولة ممتعة . متعة عمل ميداني لحدث سيبقى تاريخاً.

كنت قد عشت الحدث نفسه في عام 1986، لكن الأمر يختلف كثيراً عن الحدث الذي احتفى به المغرب أمسية الثلاثاء الماضي.

الاختلاف تلخصه جملة وليد الركراكي مدرب منتخب الأسود، عندما سئل عن طموحاته وما إذا كان يعمل للفوز بكأس العالم فأجاب “ذلك هو طموحنا“.

مشاهد كثيرة ستبقى في الذاكرة من الأمسية التي تدفق فيها الفرح أمواجاً بل أنهاراً، إليكم بعضها.

غطت الشوارع الكتل البشرية المبتهجة، يصيحون بعبارات تلخص عواطف جياشة، وفي بعض الأحيان يكون الصياح أقرب إلى حالة الهيستريا.

ما أجمل الفرح.

سيارات ودراجات نارية تحمل مختلف الشرائح من صغار وكبار، نساء ورجال    يهتفون ويرددون بعض الأهازيج في نشوة وحماس، وفي بعض الأحيان “يصرخون” فرحا وانتشاء.

لاحظت أن بعض الفتيات كن يرقصن ويطلقن الزغاريد، وهن على أسطح السيارات، بلا خوف أو وجل.

يافعون يتسلقون أعمدة الإنارة يلوحون بالرايات الحمراء التي تتوسطها النجمة الخضراء.

من المشاهد اللافتة مجموعة من الشباب كانوا يسيرون في “شارع الأبطال” وكأنهم في معسكر لقوات نظامية، يرددون عبارة باللغة الإسبانية.

كان لافتا أن من بين كلماتها مفردة “الحراكة“.

 سألت عن معنى العبارة ، وكان الجواب بأنها تقول : “نحن لسنا حراكة.. نحن نلعب كرة القدم“.

الإشارة واضحة.                        

هكذا تقاطعت السياسة والذاكرة الشعبية مع اللعبة الأكثر شعبية.

في ظني على وجه التحديد في هذا الهتاف تقاطع الحب الجارف لكرة القدم مع “المواطنة” وليس “الهوية“.

أخرج قليلا عن السياق، لأقول كثيرا ما يقع الخلط بين “المواطنة” و” الهوية“.

إذ الهوية شعور ذاتي بالانتماء إلى ثقافة معينة سواء كان شعورا حقيقيا أو وهما مخالفا للواقع، بيد أن “المواطنة” رباط سياسي واجتماعي واقتصادي داخل مجال جغرافي بين مجموعة من الناس، ربما تختلف هوياتهم وثقافاتهم وأديانهم.

أعود إلى السياق، وأقول إن من المصادفات أن يقترن إنجاز المنتخب المغربي بالخيرات التي تهاطلت من السماء.

وهكذا تحالفت الأمطار مع كرة القدم ..وكانت الأفراح والمسرات.

وهكذا غنى المساء في تلك الثلاثاء وارتعشت كل نجوم الدجى.

…وغدا ملحمة أخرى.

طلجة جبريل: كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *