باشرت المديرية العامة للضرائب، إخبار مجموعة من المؤثرين المغاربة ممن يتوفرون على حساب خاص بمنصة يوتيوب، بالانخراط في النظام الضريبي بواسطة إشعار يطالب هذه الفئة بتسوية أوضاعهم الضريبية، لتفادي اللجوء في حال عدم الاستجابة إلى مسطرة الحجز كأحد طرق التحصيل الجبري للمستحقات من المعنيين بالأمر.

ويتعلق الأمر بالمحتويات التي تسجل تفاعلا كبيرا وتحقق مداخيلا تتجاوز الـ100 ألف درهم شهريا، فيما يبقى صناعها بعيدون عن الأنظار ولا ينخرطون ولا يتقدمون بأي تصريح يهم المداخيل التي يتحصلون عليها لقاء الأنشطة التي يزاولونها على المنصة.

وتعتمد إدارات الضرائب بالمغرب طرقا تمكنها من تحديد المداخيل المحققة المفترضة للمؤثرين، عبر احتساب عدد المشاركين والمتابعين، وفي مقال لجريدة الصباح المغربية أوضحت أن نسبة الاقتطاع الجاري بها العمل في المداخيل التي تعادل 200 ألف درهم سنويا تبلغ 38% وكعملية حسابية فإن كان الدخل الصافي الخاضع للضريبة يصل إلى 100 ألف درهم فيتعين على الحاصل عليه أداء مبلغ شهري يقدر بـ36 ألف درهم أي ما يعادل 432 ألف درهم سنويا.

إخطار تدريجي                      

يبدو أن الخطوة التي اتخذتها المديرية العامة للضرائب في حق صناع المحتوى بالمغرب كانت متوقعة إلى حد ما، بعد الجدل الذي خلقه الموضوع شهر فبراير من العام الماضي، إزاء إعلان موقع يوتيوب عزمه اقتطاع ضرائب من منتجي المحتوى بالولايات المتحدة الأمريكية بنسبة تصل إلى 24% سنويا من مجمل الأرباح، ليبدأ الحديث عن المدة التي سيحتاجها هذا القرار ليتم تنفيذه في باقي البلدان، خاصة تلك التي تعتبر فيها المنصة مورد رزق لعدد من الأفراد.

شهر بعد ذلك فتح النقاش على مصراعيه بالمغرب، وإن كانت بوادره قد لاحت في الأفق سنة 2019 إلا أن الأغلبية الساحقة اعتقدت بأنه نقاش عابر لا يمكن تنزيله على أرض الواقع، استنادا إلى بعض الشروط المعقدة التي تحددها يوتيوب للاستفادة من الدخل والتي تبقى نسبية وتختلف من صانع محتوى إلى آخر.

وتداول الإعلام المغربي نهاية سنة 2019 رسالة من مكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية، وجهتها إلى صناع المحتوى بمنصة يوتيوب، تدعوهم من خلالها إلى الكشف عن إيراداتهم المحصلة من الخدمات التي يقدمونها للفترة الممتدة بين 2016 و2018 وتسوية وضعهم المالي بشكل قانوني.

وراسل المكتب حينها الشركة العالمية المسؤولة عن إدارة المنصة، قصد الحصول على البيانات المتعلقة ببعض صناع المحتوى، الذين لم يصرحوا بمداخيلهم للوقوف على حقيقة المعطيات دون تزييف أو تمويه.

وتشير التقديرات الأولية إلى كون المستحقات المطالب بتأديتها هؤلاء المؤثرون تتجاوز مبلغ 17 مليون درهم، أي مليار و700 مليون سنتيم، جزء كبير من أصحابها يحققون ربحا شهريا قارا لا يقل عن 40 ألف درهم، وتم احتسابها ابتداء من الفترة التي تقرر فيها الحرص على العمل بهذا القرار وهي أربع سنوات، كما ينبغي على المعنيين بالأمر ممن يتلقون مداخيلهم بالعملات الأجنبية تسوية وضعيتهم مع مكتب الصرف والتقيد بقوانينه.

تحصيل للمداخيل أم تجويد للمحتوى

الكثير من اللبس مازال يخيم على مسألة فرض الضريبة على المؤثرين وصانعي المحتوى، ويكثر الحديث عن ماهي الشروط التي تحدد صفات الخاضعين لها وشروط المعفيين منها، وفي هذا الصدد يقول عالم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور “إنه ينبغي أولا تحديد المقاربة التي سيتم من خلالها تناول الموضوع فإن كانت مالية محضة فنحن نعرف أن المنطق الضريبي يفرض تناولا قانونيا لهذه الظاهرة، وهو مالا يمكن أن يطبق دون تأسيس شركة من قبل صانع المحتوى، وإن كان الهدف منها المراقبة والتجويد فالضريبة هنا سابقة لأوانها“.

تختلف المواد التي يتم إنتاجها والخدمات التي يتم تقديمها على مواقع التواصل الاجتماعي وحسب بنزاكور “يجب التمييز بين نوعين من الأشخاص؛ المؤثرون الذين يقومون بالإشهار وصانعي المحتوى الذين اشتهروا بروتيني اليومي”، يضيف “إذا كان المشرع سيفرض الضريبة فسيعترف بالصفة القانونية لهذه الفئة وبالتالي سيجعل لها شروطا وسيضع عقوبات زجرية في حالة المخالفة“.

نقل الأسرار الأسرية وتصوير الحياة اليومية هي كلها محتويات تجلب نسب مشاهدات مرتفعة جدا، جعلت الكثيرين ممن لا يفقهون بمنهجية التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي ولا يحيطون علما بمخاطرها، يتهافتون ويتسابقون لنشر محتويات قد تصل أحيانا حد الإخلال بالحياء بغرض تحقيق الأرباح؛ يعلق بنزاكور على الأمر قائلا “إن كان الهدف هو تحصيل مداخيل من الضرائب في ظل غياب قانون يؤطر أخلاقيات هذه المهنة ويراقبها، وهو ما يجب على الجهات المعنية أن تباشر في الاشتغال عليه بجدية، فهذه طامة كبرى وسنصبح أمام نوع من التسمسير” 

لماذا لا تكتفي الدولة بالاقتطاعات التي تفرضها على شركة يوتيوب؟

منذ انطلق الحديث على فرض ضريبة المحتوى تباينت الآراء بين صناعه حول مدى فاعلية هذا الإجراء، فمنهم من يملكون فعلا الصفة المعنوية التي اكتسبوها من خلال إنشاء شركة، ومنهم الأشخاص الذين يشتغلون بطرق عشوائية دون تخطيط أو قالب حقيقي لما ينشرونه, الإعلامية والمنشطة زينب المعروفة ب”زي بيوتي” واحدة من صانعي محتوى التجميل على يوتيوب تقول “إنتاج المضامين على يوتيوب هو مهنة كباقي المهن ومن الطبيعي أن نتجه نحو فرض ضريبة عليه” تستطرد “ينبغي فعلا المساواة بين كافة المهن في هذه المسألة فمن غير العادل أن يؤدي الموظف العادي ضريبة على الدخل في حين يتم إعفاء أشخاص ربما دخلهم أكبر بكثير“.

توجهت شركة يوتيوب بالولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات قليلة، إلى فرض اقتطاعات على المشاركين بالمنصة قصد تغطية الضرائب التي تطالبها الدولة بتأديتها، وفي هذا الصدد تقول زينب “لا يمكن للدولة أن تشرع في تحصيل الضريبة على إنتاج المحتوى في الوقت الذي تؤدي فيه شركة يوتيوب اقتطاعات لها، بل حري بهم إحداث شراكة عمل يتم بموجبها تمرير الضريبة عن طريق يوتيوب إلى الدولة كما هو الحال بالولايات المتحدة الأمريكية

رفعت مؤخرا مطالبات بوقف المشاهد والسيناريوهات الفاضحة التي بات ينتجها المؤثرون وصناع المحتوى بغرض رفع المشاهدات، وكتبت عرائض تتوجه إلى السلطات المعنية للتدخل على وجه السرعة،  وفيما يعتقد البعض أن تحصيل الضرائب من هذه الفئة من شأنها أن تحد من انتشار التفاهة، ترجح فئة أخرى استمرار هؤلاء بل وربما تماديهم لأن الضرائب تبقى نسبية حسب المداخيل ولا تهم المحتوى نفسه، وتعقيبا على ذلك تقول زينب  “صحيح أن ثروة بعض صانعي المحتوى قد تنخفض بالمقارنة مع أرباحهم الحالية  بعد فرض الضريبة عليهم، لكنها لن تغير شيئا في المحتوى نفسه؛ لا أحد سيغامر بكم كبير من المال خوفا من تسخير جزء  منه للضرائب بل بالعكس، سيمنحهم ذلك مشروعية أكبر وقد يفتخر البعض باعتراف الدولة بوجوده وبمحتواه طالما يدفع الضرائب

لا وجود لنص قانوني صريح

النقاش الدائر حول حقيقة اهتمام السلطات المعنية بتجويد المحتويات على منصة يوتيوب, التي يطلع عليها المتلقي المغربي ويتفاعل معها بشكل كبير, أو باكتفائها بخلق مصدر جديد للمداخيل العمومية ينتقل للحديث عن الشق القانوني منه وعن مدى أحقية تحصيل الدولة لمداخيل من هذه الوسائط دونما وجود قانون ينص على ذلك, وفي هذا صدد يقول أيوب شاكور محامي متمرن بهيئة الرباط  “عرفت المنصات الإلكترونية تطورا كبيرا على مستوى العشرية الأخيرة  من القرن الواحد والعشرين, أصبحت تدر معه دخلا يسيرا لذلك بات من الضروري مواكبة القوانين في دول العالم لهذا التطور وعلى غرارها المغرب” ويضيف ” المشرع المغربي يسير وفق ما سار عليه المشرع الفرنسي والاتفاقية الأوروبية التي هي حاليا قيد الدراسة بخصوص فرض وعاء قانوني للظاهرة كما أنه يساير التطورات الاقتصادية والسياسية والثقافية ويتطور بتطور المجتمع

التحذيرات التي شرعت في إرسالها المديرية العامة للضرائب وكذا مكتب الصرف المغربي للمؤثرين، دفع الكثيرين منهم للتساؤل عن الإطار والشروط القانونية التي ستحصل على إثرها هذه الأموال، يقول شاكور “المشرع المغربي حاول إدماج هذا النوع من الأرباح ضمن الدخول التي تفرض عليها الضريبة لأنه بالرجوع للمدونة العامة للضرائب فيما يخص الضريبة على الدخل، خاصة نطاق التطبيق، فقد تم تصنيفها إلى الأجور الناتجة عن المستغلات الفلاحية وتلك المعتبرة في حكمها والأرباح العقارية وغيرها“.

وتعقيبا على عدم وجود أي صنف قنوني يشمل فئة المؤثرين يقول شاكور “المشرع وهو ينص هذه المادة لم يجعلها محصورة لأنها تحتمل المرونة، ففي الحالة الأولى المتعلقة بالدخول المهنية جعلها كلمة فضفاضة وبالتالي يمكن إدراج أرباح المؤثرين ضمنها ومنحها الصفة القانونية..وبالنظر إلى الأموال الطائلة التي تحصلها هذه الفئة والمقدرة أحيانا ب 60 ألف درهم شهريا, فأداء الضريبة يصبح واجبا شريطة تحديد وعاء له والحسم فيما إذا كان النقاش يتعلق بالأشخاص المعنويين أم يشمل الذاتيين أيضا فإلى حدود الساعة مازال الأمر مبهما”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *