تشكل الذكرى الـ23 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، والتي سيخلدها الشعب المغربي غدا السبت 30 يوليوز الجاري، مناسبة لعرض أهم مكسب سياسي  تحقق  في المملكة والذي يتجلى في ترسيخ المسار الديمقراطي و تعزيز دولة المؤسسات وتخليق العمليات الانتخابية

لقد دشن الملك محمد السادس مرحلة  التكريس الفعلي للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. ومن أبرز مظاهرها إجراء انتخابات شفافة ونزيهة ومنتظمة أفرزت مؤسسات منتخبة ذات مصداقية. 

منذ تولي الملك العرش في 1999، عرف مسار الانتخابات في المغرب تحولا حاسما قطع مع فترات التشكيك والطعن في نزاهة العملية الانتخابية ونتائجها، كما ساهم في الحد من لامبالاة الناس بشأنها رغم تدني نسبة المشاركة التي طبعت بعض المحطات الانتخابية، والتي لها أسباب خاصة تفسرها ولا علاقة لها بدرجة اهتمام الناس بالشأن الانتخابي والسياسي.

وأجريت أول انتخابات برلمانية في عهد الملك محمد السادس في 2002، بعد تجربة حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي. تصدّر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نتائج هذه الانتخابات، بعد حصوله على 52 مقعداً برلمانياً. وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 51.6%.  

واُجريت ثاني انتخابات برلمانية في عهد الملك محمد السادس في ابريل 2007. وسجلت هذه المحطة الانتخابية نسبة تصويت لم تتجاوز 37%،  لكنها بقدر ما طرحت أسئلة تتعلق بمستوى التعبئة والمشاركة، بقدر ما قدمت مؤشرا إيجابيا يهم التواصل الشفاف بشأن الأرقام  والمعطيات المتعلقة بالعملية الانتخابية، وهو مؤشر على دخول المغرب ، فعلا، في مسار تكريس الديمقراطية، في الوقت الذي كان التواصل الفعلي  والشفاف  منعدما أو شكليا  في المراحل التاريخية السابقة. تنافست خلال هذه المحطة الانتخابية 33 من الأحزاب، و13 مرشحا من المستقلين، تنافسوا على 325 مقعدا برلمانيا. تصدّر حزب الاستقلال استحقاقات سابع شتنبر 2007، بعد حصوله على 52 مقعداً، 

في 2011، نظّمت انتخابات مبكرة في سياق مخاض سياسي واجتماعي إقليمي ووطني، تميز بما يسمى بالربيع العربي الذي جاء برياح التغيير في العديد من  البلدان العربية. تبنى المغرب دستورا جديدا اعتبر متقدما مقارنة بالدساتير السابقة. منحت الانتخابات الفوز لأول مرة لحزب إسلامي ممثلا في حزب العدالة والتنمية الذي حصل على 106 مقعد.

في 7 أكتوبر سنة 2016، جرى تنظيم ثاني انتخابات تشريعية في إطار الدستور الجديد. تميزت بفوز العدالة والتنمية واستمراره في تدبير الشأن الحكومي لولاية ثانية، ليكرس المغرب صورة البلد الديمقراطي الذي تتمخض فيه الحكومات عن صناديق الاقتراع. 

لقد تغير المناخ السياسي العام منذ تولي الملك محمد السادس السلطة، كرس عهد الملك مصداقية الانتخابات وبالتالي مصداقية المؤسسات المنتخبة.

وعرف عهد محمد السادس انتظامية الانتخابات، إذ مهما كانت الظرفية السياسية الدولية والإقليمية والوطنية، فقد حافظ المغرب على استقرار  محطاته ومواعده السياسية ومنها الانتخابات، وأعطى الدليل على قدرته على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية بجدارة، وهو ما أثبته في انتخابات2021 التي نظمت في ذروة انتشار جائحة كوفيد 19. ورغم الإكراهات المصاحبة للأزمة الصحية العالمية، فقد نظمت ثلاث انتخابات في يوم واحد،الجماعية والإقليمية والتشريعية، ليكرس المغرب جدارته  ومصداقيته في المضي قدما في مسار الديمقراطية.

كان ثمة من يشكك في قدرة المغرب على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في عز الأزمة الصحية، في الوقت الذي أجلت فيه دول عريقة في الديمقراطية تنظيم الانتخابات.

ومع اقتراب موعد الانتخابات بدأت الشكوك تحوم حول موعد إجرائها، بالموازاة مع انتشار الشائعات حول احتمال تأجيلها بسبب الفيروس. في هذا الوقت، أطلق وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت المشاورات السياسية بشأن الانتخابات وطرح القوانين الانتخابية تمت مناقشتها والمصادقة عليها في البرلمان.

ونجح المغرب في كسب رهان تنظيم استحقاقات 2021، التي أسفرت عن فوز حزب التجمع الوطني للأحرار ب102 مقعد نيابي بفارق كبير عن بقية الأحزاب. وعرفت الانتخابات التشريعية نسبة مشاركة فاقت 50% (50.35%)، ومكنت نتائج الانتخابات من تشكيل تحالف حكومي من ثلاثة أحزاب وهي، إلى جانب حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، ويقود الحكومة عزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني للأحرار.

في خضم ذلك كله، فإن أبرز ما ميز الانتخابات في عهد الملك محمد السادس نسبة المشاركة في مناطق الصحراء، والتي تعتبرالأعلى، مقارنة بباقي مناطق البلاد.

ويفسر المحللون هذه النسبة بعدة عوامل، أهمها التعبير الصريح والمباشر على تشبث المواطنين والمواطنات في اﻷقاليم الجنوبية بمغربية الصحراء، إضافة إلى التعبئة الكبيرة للأحزاب السياسية في هذه اﻷقاليم، والمشاركة المكثفة  في التعبئة وفي التصويت  من طرف الأعيان وشيوخ القبائل. 

إن ارتفاع نسبة المشاركة في العمليات الانتخابية بالأقاليم الجنوبية مؤشر على تشبث أبناء الأقاليم الجنوبية بمغربية الصحراء وبخيار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007 في إطار التسوية السياسية العادلة والمنصفة للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية.   

من هذا المطلق، فإن التحولات السياسية في مغرب الملك محمد السادس تتجه نحو تكريس الوحدة الترابية للمملكة والالتفاف حول سيادتها الترابية من طرف كل مكونات المجتمع المغربي. وتشكل النجاحات المتتالية للدبلوماسية المغربية في مجال التعبئة حول الوحدة الترابية للمملكة  أحد التجليات الأساسية لفترة حكم محمد السادس، حيث يتزايد عدد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء وبسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما يؤشر عليه افتتاح عدد من الدول لتمثيليات ديبلوماسية لها في مدن العيون والداخلة.

*جمال بورفيسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *