عبد الرزاق بوتمُزّار

 

ح. 10

وتخلّصتُ من لعنة الحِسابات..

عندما التحقتُ بالطور الثانوي كان بعض التلاميذ ممّن درسوا معي في الطور السّابق على وشك مُغادَرة الثانوية! كانت بيننا كفرق تلك السّنتان اللتان أضعتُ في آخر أقسام المرحلة الإعدادية. ذكّرني اللقاء ببعضهم بين أسوار المؤسَّسة بعقدتي الدّفينة. لولا قدَري اللعين لكنتُ الآن، مثلهم، أتطلّع إلى المرحلة الجامعية! لكنّ ذلك لم يُثنِني عن السّير قدماً نحو تحقيق هدفي المنشود؛ كنتُ قد قطعتُ عهداً على نفسي: لن يُوقفني أيّ عائق، أبداً، بعد كبوة الإعداديّ!

مادّة الرّياضيات، التي كانت مُتسيّدة وتتحكّم في مصاير التلاميذ، خُصوصاً ذوي المُيول الأدبية، بحكم مُعاملها الكبير بين الموادّ الدّراسية، أضحتْ بالنسبة إلينا -نحن تلاميذَ شعبة الآداب- ثانويةً ولا يمكن أن توجِب الرّسوبَ ولا النّجاح. انفتحت شهيّتي، من جديد، وصرتُ من الأوائل. الغلبة الآن للّغات وما دار في فلكها، بعد أن انضافت الإنجليزية إلى القائمة. ولا يمكن أن أذكر هذه اللغة دون ذكر اسم الأستاذ محمود، الذي كان جادّاً وصارماً في كلّ شيء وكان له الفضل في فهمنا معظم قواعد هذه اللغة. والحقيقة أن ما تعلمنا منه عن لغة شكسبير فاق ما تعلمنا من أستاذَي السّنتين الأخرَيين.

أفهمَنا، منذ حصصه الأولى، أنّ أيّ خروج عن السّطر خلال دروسه غيرُ مقبول؛ بدءا بالتأخّر في دخول الفصل إلى عدم الانتباه إلى شُروحه، مُروراً بالكلام أو الشّغب أو غيرهما، طيلة السّاعتين اللتين نُمضي أمامه.

شخصيا، كان لديّ ميل كبير إلى تعلم اللغات. ساعدني على ذلك أنْ كان لي إخوة يكبُرونني ويتركون لنا، نحن الصّغار، مُخلَّفاتِهم من الكتب والمُقرَّرات. صحيحٌ أنه لم تكن لدينا في بيت الأسرة يومذاك مكتبة قارّة بمفهومها المكانيّ؛ غير أنّ الكتب كانت، دوماً، حاضرة في كلّ مكان من البيت. وخلال المرحلة الثانوية وما تلاها، جنيتُ ثمارَ شغفي الكبير بالمُطالَعة وأصبحتُ ممّن يتسابق الكثيرون من زملاء الدّراسة على كسب ودّي لغرَض في نفوسهم..

اكتسبتُ معارفَ كثيرة من أساتذة أجلاّءَ أثّثوا فضاءات مَدارسنا العُمومية، التي أتحسّر كثيراً على ما آلتْ إليه في أيامنا من غبْن ونكوص يُلامسان حدود الاحتضار.. فتحيةَ تقدير وإجلال لكلّ رجال التعليم، الذين ترَبّتْ على أيديهم أجيالٌ مُتلاحِقة من المغاربة! تحيةً للذين اشتغلوا منهم بتضحيةٍ ونكرانِ ذاتٍ ليُنيروا لنا مُظلمَ الطرقات ويُزيحوا عن عقولنا الصّغيرة غشاواتٍ من جهل وَعار.

كانت جميع المُؤشّرات تسير في اتّجاه توقيعي على سنة دراسية مُتميّزة؛ لكنْ، ومن غير استئذان أو سابقِ إنذار، وقع ما لم يكنْ في الحُسبان…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *