عبد الرزاق بوتمزار

 

اليوم التـّ9ـاسع

الرّابعة عصراً. غرفة مُصهَدة. جوعٌ وعطش وفـراغ.. النوم! كبيرٌ أنتَ، يا رَمضان: كثيرٌ من الرّوحانيّات والاستغفار والإحسان (ولو مُصطنـَعة أو موسميّـة) وكثيـرٌ، أيضاً، منَ “القْطعة” ومن غلاء الأسعار، ثمّ كثيرٌ من النـّوم..

قد يكون النومُ فرصتَك الوحيدة لهروبٍ أمـُور غـريبة تحدُث فـي هذي البـِلاد وفي ما وراء المُحيطاتِ البعيدة، لكـنْ يبدُو أنّ ثمّة سيناريو مُعدّاً سلـَفاً كي تبدو “عادية”، هذه الأمور التي تثير استغرابَك.. يوم أفطرتُ في مطعمها، تابعْنا، مُكرَهين، لقطاتٍ مُركَّبةً يُسمّونها افتراءً “الكاميرا الخفية”.. كانتْ حلقةَ “البيغْ”.

لم أهتمَّ بما كان يمرّ في الشاشة أمامي مِن مَشاهِد تهريجٍ مفضوح. عـلى مَن يمثّل هؤلاء؟ هجمتُ عـلى الرّايبْ وعصير اللـّيمون بالجزَر. التهمتُ حبّاتِ التمر مع زْلافة حريرة. أجهزتُ عـلى السّمكاتِ السّت، وأشعلتُ سيجارة، وأنا أغادر “الرّيستـُو”، نـُزولاً صوب الحيّ الخلفي. ما عادتْ، منذ سنوات، تهُمّني مَشاهدُ صندوق العجب هذه ولا أهُمّها..

أياماً بَعد ذلك (أو يوما واحداً فقط، لمْ أعد أذكر وليس لديّ الوقتُ للتحقـّق من ذلك.. ومتى أتِمّ حكاية اليـوم إنْ أنا بدأتُ أتحقـّق من تاريخِ كـُلّ حدَث؟).. أقول: ظهرتْ أولى التعليقات في فيسبوك تقول إنّ الكاميرَا الخفية كانتْ “مْخـْدُومة”.. ثـُمّ تسارعتْ، بَعْد ذلك، الصّور والفيديوهات وحتى مقالات تحليلية!.. عاصفة من الاستنكارِ لهذا المقلبِ “المْفروشْ”.. وماذا بعدُ؟ إنْ هو إلا تهريجٌ في تهريج، والأيام سائرة إلى الأمام بلا توقـّف!

أصلاً، هذه القنوات (المُسمّاة “عُمومية”) ليستْ مِن العمومِ في شيء، إلاّ ما كان لذرّ الرّمادِ في عيونٍ أنهكها رمد الأزمنة المغبرّة. من ذا الذي يتابعُ ما تعرض، يا إعلاماً ليس فيك من العُموم إلا الاسم؟ فليُمثـّلْ علينا البيغُ والسّـْمُولُ والكـْلُونُ ومـا جرى في المجرى، والمجرى مَجارٍ، وما أشبه مَجاري إعلامنا “العمومي” بمجاري مياهِ الصّرفِ الصّحّي!..

آهٍ -يا وطناً يعيثُ فيه الرّديئون- كم يلزمُنا منَ سنين كي نطـرُد عنّا كـُلّ هذي الـرّداءات!؟ متى تستفيق التـّماسيحُ الرّاقدة في ضفافِ بِرَك الأزمنة الغابرة مِن سُباتٍ طالَ فوق أحلامِ هذا العُموم المُفترَى عليه؟.. رُحتُ أسألـُني، وأنا أتابع كـُلّ هذه الأوراق التي تتساقط عـن عوراتٍ، والأزمنةُ إلكترُونٌ فَضّاح..

يُواصل بعضُهم التـّمثيلَ علينا كأنّنا ما زلنا نعيشُ فـي أزمنـة الماضي.. برامجُ مُفبرَكة. أفلامٌ بدون سيناريو، بلا رؤية ولا غـاية. وكاميرا خفية “تـستحمرُ” المغاربة، حسب التـّعبيرِ الشّائع في هذا العالَم الأزرق.. في المحصلة: إعـْلامٌ بلا بوصلَة، والسّاهرُون على شؤونه فـي واد وهذا العُموم (الـّذي يُفترَض أنّ هذا الإعـلامَ منه وإليه) في واد آخَر، وسيـرِي، أيّتها الأيام، إلى الأمام، اهرُبي إلى الأمام، بالأحْرَى..

بعيداً قليلاً، جهةَ هذا الشّرقِ المُتقرّح، حدّثْ ولا حَرَج! صار الشّرقُ المسكين مسـرحاً لأكذوبة كبيرة ومفضوحةٍ تُبكِي العدو قبـل الصّديق، لكنّ اللاعبين المحلـّيين يتقمّصون الدّورَ بإتقانٍ.. ويتواصل تمثيلُ “مسرحية” الدّيمقراطية، ولو بقوة “البـْرُودكانْ”!..

“صارتِ الدّيمُقراطية تَحنّ إلـى نفسِها أكثرَ فأكثرَ فـي كلامِ “ديمُقراطيين” كـُثـرٍ، مستجدّين، في ما بَعْدَ “ربيعٍ” لـَم ينتهِ كما ينبغي، فما أنتج غير الدمار والبلقنة والأعطاب.. وتلكَ حكـاية طـويلة!”.. كتبتُ، ذاتَ أثيرٍ، متحسّراً عـلى المسار الذي “أريدَ” للأحداث أن تـتخِذه قسْراً، وهي التي كانت تسير في اتجاه إسقاط الدّكتاتُوريات.. فإذا بهـِا “تُحْييهم”، هؤلاءِ الدّكتاتوريّين، فيما ارتضى كثيرٌ من المـُزيّـَفين لأنفسِهـِم دورَ كـُومبارْس، باسم “ديمُقراطيةٍ” ما، يُصفـّقون لمُـزوّري التّاريخ الجُدُد، يتمسّحـُون بـِ”بـْرُودْكـاناتْ”..

يا “غـُمّةً” اهترَأتْ لُغتـُكِ في خريفِ التّهافُتِ لن تصنَعي فصْلاً مُذهلاً بروعة الرّبيع!.. كتبتُ، أيضاً، مُتحسّـرا دائماً..
………
………
………

عـُذراً لِمن كانوا يريدُون أن يعرفوا بماذا أفطرتُ اليوم، بالكرمُوسْ أمْ بالهـْنديّة.. لـَم أفطـِر. قُطعـتْ شهيّتي للأكلِ اليـوم وقد استبدّتْ بي كـُلّ هذي المَواجعُ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *