محمد نجيب كومينة

عجز رئيس الحكومة عن وضع النموذج التنموي الجديد. وتفيد المعلومات المتسرّبة عن الورقة التي قدمها لحلفائه في الحكومة والأغلبية النيابية أن الرجل اختلطت عليه الأمور. ذلك أن ورقته التي لا تشبه تصريحا حكوميا ولا علاقة لها بمخطط توجيهي أو إلزامي كانت قريبة من إنشاء تلميذ كسول لم تُفده التجربة في التعلم وتطوير معرفته وقدراته.. وفي كل الآحوال فاقد الشيء لا يعطيه.

النموذج التنموي الجديد، كما لا يعلم العثماني ومن هم على نهج فقهه النورسي، باراديغم جديد وقديم في الوقت يذاته، رتبط اليوم بالتطور العام الدولي وبالوضع الداخلي، إذ بات تدبير اللامتوقع والطارئ (La gestion de l’incertitude) يفرض امتلاك بوصلة كي لا يتيه المركب في البحر، وأدوات تساعد في إعادة توجيه المركب باستمرار إلى شاطئ الآمان.

النموذج التنموي يعني وضع إطار لتنسيق السياسة الاقتصادية ولضمان تمفصل السياسات العمومية وسيرها في اتجاه محدد لبلوغ أهداف محددة على المدى البعيد. إنه، بهذا المعنى، خارطة طريق البلاد التي تتجاوز المدى الزمني وللميزانيات السنوية والبرامج المالية متعددة السنوات (CDMT) والمخططات الإستراتيجية والسياسات القطاعية الموضوعة للمدى المتوسط، وإن كانت تستوعبها وتعطي لكل الفاعلين، الاقتصاديين والاجتماعيين، رؤيوية ومعرفة بما يجب القيام به لتحقيق التنمية في معناها الشامل، الذي يستوعب الاقتصاد كما يستوعب التوازنات الاجتماعية وبناء وتطوير المؤسسات والتعامل مع العالم والجيوبولتيك وحماية الوطن والوحدة الوطنية ومصالح البلاد كلها.

هناك اليوم حديث عن التنمية الإذماجية (développement inclusif) والمستدامة (durable) ولكن المسطلحات قابلة للتجدد والتبدل، المهم هو مضمونها وما تحيل عليه.

في الماضي كان النموذج التنموي يُختزل في النموذج الاقتصادي أو نموذج النمو، وكان التركيز على عجز تمويل الاقتصاد وعجز الحساب الجاري لميزان الأداءات، وضمنه عجز الميزان التجاري على الخصوص، يعكس ذلك الاختزال. وهو إلى اليوم قائم لدى المتخلفين، وعليه تركز اتفاقية “خط السيولة والوقاية” مع صندوق النقد الدولي، التي لجأت إليها حكومة بنكيران وجعلتنا فأر تجارب للصيغة الجديدة لبرامج التقويم الهيكلي. لكن هذا الاختزال إذا ما اعتمد وتغاضى عن غاية الاقتصاد، التي تتمثل في الرفاه الجماعي حتى لدى الحدّيين، وعن غاية وجود الحكومات، التي تتمثل في العمل على عدم اختلال الميزان بالشكل الذي يجعله يسقط، وعن دور المؤسسات في الحد من الغلو والتجاوز والانحراف.. إذا ما حصل ذلك فإنه يصبح مشكلة عويصة، بدل أن يأتي بالحل.

وإذا ما تأكد أن العثماني عمل على التخلص من مشكلته بالرمي بها على مكتب دراسات، فإن الأمر سيكون كارثيا.. ذلك أن من جاء في سياق دستوري مفروض أن يعيد للسياسة اعتبارها يلجأ إلى اختيار يمكن أن يغري التكنوقراط، وليس السياسيين، ويمكن أن ينتج مسخا، من قبيل المسوخ التي أنتجتها مكاتب دراسات لفائدة عدد من الوزارات، ينتهي بها الأمر في المزابل.

العثماني يشتغل في إطار التعاقد مع صندوق الدولي، الذي جدّده منذ ماي الماضي، وميمراندوم البنك العالمي، وينتظر شهادة “حسن السلوك” منهما! فاتركوه ولا تطلبوا منه ما لا يمكن للحزب الإسلامي أن يستوعبه، فأحرى أن ينجزه! فالنموذج التنموي لم يذكر في فتاوى ابن تيمية ولم يرد في كتب السيد أو عاطف أو الهضيبي أو حتى الغنوشي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *