le12.ma
يعود المسرح المغربي، إلى تألقه المعتاد، من خلال جيل من المسرحيين الشباب، شغوف ومولع بفن الرّكح، منغمس بكيفية وثيقة في الهمّ اليومي المعيش وقضايا المجتمع.
صحوة مسرحية مغربية جديدة لا تخطئها العين هنا، في القاهرة، ضمن مهرجان المسرح العربي في دورته الـ11، من خلال مشاركة متميزة لفرق مسرحية مغربية تمثل جيلا من المسرحيين الشباب التواق إلى إذكاء حضوره في كبريات المواعيد الثقافية العربية.
وتمثّل مسرحية ”شابكة”، لمؤلفها عبد الكريم برشيد، رائد المسرح “الاحتفالي” في الوطن العربي، ومخرجها الشاب أمين ناسور، التي عُرضت مساء أمس على خشبة مسرح “الجمهورية”، نموذجا حيا لهذه الصحوة الجديدة، إذ استطاعت، طيلة 70 دقيقة، أن تلفت أنظار المولعين بأب الفنون، من خلال توظيفها أدوات فنية إبداعية، من تشخيص لافت وموسيقى حيّة وسينوغرافيا وديكور وإضاءة جذّابة وأداء راق.
عرضٌ مسرحيّ مبهر، امتزجت فيه المتعة الفنية والبصرية في تناغم وانسجام بين شخوصها من الشباب الطموحين، المبتكرين، الذين استطاعوا أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في فن الركح.
وقال عبد الكريم برشيد، مؤلف هذا العمل المسرحي، وهو لفرقة “أوركيد”، إن “عنصر التلاقح والتمازج بين جيل الرواد المبدع، من فنانين ومهتمين بفن المسرح، وجيل الشباب المجدد والقادم بقوة لا يمكنه إلا أن يمنح مسرحنا زخما نوعيا جديدا للمضي قدما نحو التألق بخطى ثابتة وواعدة”.
وأشار برشيد، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى “خصوصية” و”تميز” هذا العمل المسرحي، والذي تم الاشتغال عليه من خلال نص مسرحية “على باب الوزير”، معتبرا أن “شابكة” صيغت بقالب فني راق توحّدت فيه الرؤى الفنية لتمنح المتلقي صورةً إبداعية وجمالية تنمّ عن تملك المخرج أدوات جيدة وظفها من خلال شخوص متميزين وموسيقى جاذبة وإضاءة جميلة.
وتابع لرشيد أن “هذا العرض المسرحي عملٌ فني مبدع زاوج بين الأداء والتشخيص الراقي وبين توظيف تقنيات جديدة في فن الركح”.
ومن جهته، قال أمين ناسور مخرج المسرحية، في تصريح للوكالة المذكورة، إن “شابكة” اعتمدت على أشكال فرجوية بميفية عصرية وفق رؤية إخراجية مختلفة وضفت أساليب فنية جديدة تجمع بين الموسيقى وأسلوب التشخيص المحكم في فضاء متحول يغري بالمشاهدة، من خلال لوحات فنية تريح البصر.
وبخصوص اختيار الاشتغال على نص ثقافي راق لأحد رواد الكتابة المسرحية المغربية والعربية، قال ناسور ”لم نجد اختلافا في الرؤى بين النص وما نعيشه في حياتنا اليومية بل هناك تكامل جسّدته الكيفية التي قُدّم بها العرض”.
وعن شغف جيل الشباب بأبي الفنون، قال ناسور إن “المسرح مدرسة الحياة نغترف منها ونوصل من خلالها أصواتنا إلى الآخر في قوالب إبداعية فنية تجمع بين الهزل والجد”. وتابع “لا يمكن أن نتصور أمة متحضّرة بدون مسرح، لأنه أصبح اليوم وصفة علاجية لأمراض جديدة ظهرت مع هذه التحولات التي يعيشها الكون، والمرتبطة بعدم التواصل مع المجتمع وعدم الثقة في النفس وغياب القدوة لدى الشباب، وغيرها من الأمراض التي طبعت هذا العصر”.
وأشار مخرج “شابكة” إلى أن “المسرح لم ينل حقه، والمكانة التي ينبغي أن يحظى بها”، مشددا على “أهمية حضور المسرح في حياتنا، ليس لأنه عنصر فرجة بل لأنه ملاذنا للتواصل والتعلم والإدراك الحسي”.
وقد شخّص أدوارَ المسرحية كل مت عبد الله شيشة وحنان خالدي ونبيل البوستاوي وعادل اضريسي؛ موسيقى أنس عادري وشبوبة عبد الكريم، وغناء هند نياكو، وسينوغرافيا طارق الربح. وقد اختارت فرقة “أوركيد” أن تكون “شابكة” بداية رحلتها الاحترافية، بعد حصولها على دعم وزارة الثقافة والاتصال برسم 2018.
وتدور مسرحية “شابْكة” حول قصة “صالحة”، المعلمة المناضلة المتشبثة بالمبادئ والقيم ومقاومة بؤس الواقع ومغريات الحياة، التي أحيلت على التقاعد، لتجد نفسها تواجه مرارة الفراغ، مرغمة على السفر في تلونات خطابات المذياع، بحسناتها وتفاهاتها، رفقة زوج يقاسمها الفراغ نفسَه والمآسي نفسَها. لكنّ زوجها، في شماتة النهايات، أصبح يسب ويلعن الجميع، ساخطا على سنوات التضحية وعبثية المصير، بل أصبح يرى في زوجته “صالحة” طالعَ نحس ومصدر شؤم، مقررا العيش على أطلال تجارب الماضي الفاشلة وأحلام الحاضر الرخيصة.
تزداد الهوة بين الزوجين اتساعا يوما بعد يوم، وينتصب بينهما سلطان، ابنهما الوحيد وأملهما، الذي اختار أن يعيش ريعان شبابه بروح عصره، متمردا على كل شيء ومتطلعا إلى غد أفضل. وتعيش هذه الشخصيات على صراعاتها الروتينية، في سخرية من الحياة، بين متشبث بالمبادئ ومتطلع إلى حياة أحسن. وموازاة من ذلك تحضر شخصية الراديو (المذياع) بقوة في النسق الدرامي للعرض، والتي جسّدها الفنان عادل اضريسي، الذي يعلق على الوقائع، تارة، ويوجّهها، تارة أخرى.
يشار إلى أن المغرب يشارك في الدورة الـ11 لمهرجان المسرح العربي، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح، بتعاون مع وزارة الثقافة المصرية إلى غاية 16 يناير الجاري، بثلاثة عروض مسرحية، هي مسرحية “شابكة” و”عبث” لمسرح “بصمات الفن”، وهي من تأليف وإخراج إبراهيم رويبعة، و”صباح ومسا” لفرقة “دوز تّمسرح”، لمؤلفها غنام غنام وإخراج عبد الجبار خمران، إلى جانب 17 عرضا مسرحيا من عدة دول عربية ومن دول المغرب الكبير، تتنافس على جائزة سلطان القاسمي.
وقد جرى انتقاء العروض المشاركة للتنافس على جائزة المهرجان من بين 148 عرضا من مختلف الدول العربية وبلدان المغرب الكبير.