خديجة الطاهري

 

أيام قليلة تفصلنا عن انتخاب أعضاء مجلس المستشارين (5 أكتوبر)، آخر حلقة في المسلسل الانتخابي الذي شهدته المملكة خلال صيف هذه السنة.

ولن تشكل هذه الانتخابات محطة جديدة لتعزيز المسلسل الديمقراطي فحسب، بل أيضا اختبارا حقيقيا للهيئات السياسية وكافة المتدخلين في العملية الانتخابية، بالنظر للرهانات المختلفة لهذا الاستحقاق.

تكريس مبدأ المناصفة من خلال الرفع من تمثيلية النساء داخل مجلس المستشارين، يبقى إحدى التحديات الكبرى. فعدد المستشارات يبقى ضعيفا مقارنة مع باقي المجالس المنتخبة حيث لا يتجاوز 13 مستشارة من بين 120 عضوا بالغرفة الثانية، وهو ما أفرز واقعا مغايرا للتوجه الذي رسمه المغرب في سبيل تعزيز التمثيلية النسائية ، وإخفاقا بينا في رهان تقوية حضور النساء في هذا المجلس، الذي ظل يغلب عليه منذ إحداثه، الطابع الذكوري بامتياز.

لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح على المكونات السياسية والنقابية والغرف المهنية هو : هل تتوفر هذه التشكيلات بمختلف انتماءاتها على إرادة سياسية لترشيح النساء من أجل نيل مقعد بمجلس المستشارين، خاصة في ظل قوانين انتخابية عززت بشكل كبير تمثيلية المرأة في كافة المجالس، وساهمت بشكل واضح في تشجيع النساء على الانخراط في الحياة السياسية ؟

وفي هذا الصدد، يقول عبد المنعم لزعر، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي بجامعة محمد الخامس الرباط، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنه يتعين الإشارة إلى أن الأرقام الانتخابية المتعلقة بالانتخابات المهنية والجماعية والجهوية والتشريعية الأخيرة فيما يتعلق بالحضور النسائي تكشف “تقدما ملموسا” في نسب تمثيلية النساء.

وعزا المحلل الأكاديمي تطور مؤشرات إدماج النساء في دوائر التمثيلية المختلفة أساسا إلى التعديلات التي عرفتها القوانين الانتخابية، التي عززت فرصا كانت موجودة للنساء وخلقت فرصا جديدة للاندماج التمثيلي، بمعنى أن هذا التطور لا يعكس موجة سياسية أو ثقافة سياسية تستثمر انتخابيا في النخب النسائية، بل يترجم إرادة سياسية لخلق منافذ فرص للنساء على مستوى دوائر التمثيلية، متسائلا : هل هذه المؤشرات ستساهم في تسجيل نفس التطور على مستوى الانتخابات المتعلقة بمجلس المستشارين ؟

وبالنسبة للأستاذ لزعر، فإن الجواب على هذا السؤال يتطلب استحضار ثلاثة عناصر أساسية، يرتبط الأول منها بالبناء المعياري والقواعد القانونية المعتمدة في انتخاب أعضاء مجلس المستشارين، مشيرا في هذا السياق، إلى أن المشرع اعتمد صيغة مختلفة لإدماج النساء تقوم على مبدأ ترتيبي، بحيث لا يجب أن تتضمن كل لائحة من لوائح الترشيح اسمين متتابعين لمرشحين اثنين من نفس الجنس.

وقد تحيل هذه الصيغة، برأيه، بشكل ضمني إلى وجود مساواة بين الجنسين ومناصفة في الاستفادة من الفرص التمثيلية المرتبطة بهذا المجلس، قبل أن يستطرد بالقول “إن هناك عناصر أخرى تحد من نتائج هذه الصيغة أو تدعم تحقق غايتها على مستوى إدماج النساء”.

أما العنصر الثاني المؤثر، يبرز الباحث الأكاديمي، فيتمثل في عدد المقاعد المتنافس حولها، بحيث كلما كان عدد المقاعد كبيرا كلما كان لمبدأ التناوب الترتيبي بين الجنسين نتائج ملموسة على مستوى تمثيلية النساء.

وأشار في هذا الصدد، إلى أن تمثيلية النساء سترتبط بمتغير عدد المقاعد، بمعنى أنه كلما كان عدد المقاعد كبيرا على مستوى كل دائرة انتخابية كلما كانت فرص النساء في الوصول إلى مجلس المستشارين كبيرة (مثل هيئة المأجورين دائرة واحدة تضم 20 مقعدا) وكذلك (الدوائر المتعلقة بهيئة أعضاء الجماعات ومجالس العمالات والأقاليم حيث تضم بين 5 مقاعد ومقعدين).

بالمقابل، يتابع لزعر، فإن فرص النساء تقل عندما يكون عدد المقاعد محدودا (مثلا المقاعد المخصصة لكل جهة لا تتجاوز مقعدين)، ومقاعد كل دائرة على مستوى الغرف المهنية المختلفة (يتراوح بين مقعد ومقعدين)، لافتا إلى أن وصول النساء إلى مجلس المستشارين يظل رهينا بفوز لائحة واحدة بمقعدين.

وحسب الباحث الجامعي، فإن العنصر الثالث الذي يعد حاسما في تعزيز حضور النساء على مستوى مجلس المستشارين، يتجلى أساسا في تزكية النساء على رأس اللوائح الحزبية لهذه الانتخابات، حيث تعتبر هذه الصيغة هي المسلك الآمن للنساء في الوصول إلى مجلس المستشارين، والمقصود هنا بالتحديد، وفق السيد لزعر، أن فرص النساء مرتبطة بإرادة الأحزاب السياسية التي تتوفر على حظوظ للفوز بمقاعد على مستوى انتخابات مجلس المستشارين.

وخلص المتحدث إلى أنه في جميع الحالات، فإن نسبة تمثيلية النساء بالغرفة الثانية تبقى رهينة بثلاثة عوامل أساسية هي عدد المقاعد المتبارى حولها على مستوى كل دائرة انتخابية، وإرادة الأحزاب السياسية لتزكية النساء على رأس لوائح الترشيح، وقوة لوائح الأحزاب السياسية في حسم الصراع الانتخابي، خاصة في ظل الدوائر ذات المقعدين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *