دعت الأمم المتحدة، كلا من المغرب وإسبانيا إلى “إجراء حوار مفتوح بهدف حل جميع القضايا العالقة بينهما”.

جاء ذلك على لسان الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريك، في تعليقه على الأزمة بين الرباط ومدريد ليلة الثلاثاء قائلا : “عندما تكون هناك توترات بين دولتين من الدول الأعضاء، سواء كانت إسبانيا أو المغرب أو أي دولة أخرى، فإننا نشجع دائما على إجراء حوار مفتوح بين البلدين لحل هذه المشكلات أو أي قضايا معلقة قد يكون سببها ذلك”.

وهذه هي المرة الثانية التي تدعو فيها الأمم المتحدة المغرب وإسبانيا، إلى تغليب الحوار. بعد المرة الأولى  منذ أسبوعين عقب النزوح الجماعي للمهاجرين صوب سبتة المحتلة.

وللحديث عن هذا الموضوع، واستجلاء مآلات العلاقة بين المغرب واسبانيا، اتصلت le12.ma – عربية، بـ “عتيق سعيد”* ، الباحث الأكاديمي بجامعة الحسن الثاني كلية الحقوق عين الشق الدار البيضاء، و المحلل السياسي، ضمن فقرة 3 أسئلة :

 

حاوره : تقي الدين تاجي

 

دعت الأمم المتحدة يوم أمس، على لسان أمينها العام ستيفان دوجاريك، المغرب واسبانيا الى إجراء حوار مفتوح، لحل جميع القضايا العالقة بينهما..ما هي قراءتك لهاته الدعوة ؟

 أي دعوة من المنظمات الدولية لحل الأزمة هي اعتراف بمكانة المغرب إقليميا و قاريا و دوليا، وحضوره الوازن في العديد من الشراكات والتعاون على مختلف المستويات، وأيضا هاته الأزمة شكلت حزمة من التناقضات الاسبانية على مستوى القانون الدولي الانساني اأ على المستوى الأمني، و بالتالي لا يمكن فتح أي حوار،  دون توضيح المواقف بشكل صريح اتجاه القضايا الوطنية و الوحدة الترابية.

المغرب وبفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، بات قوة إقليمية وقارية، مشهود لأجهزتها الأمنية بالريادة والنجاعة على المستوى الإقليمي و الدولي. واستطاعت بذلك تبوأ، مكانة مرموقة ومتميزة،  في الساحة الدولية، بفضل وفائها بتعهداتها ودقة معلوماتها الاستخباراتية، و هو ما مكنها من ترسيخ شراكة متقدمة، مع الاتحاد الأوروبي في مجال تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب، كما أن محاولة اسبانيا جر الاتحاد الأوروبي الى هاته الازمة ، مآلها الفشل بالنظر الى حجم الشراكة و التعاون، الذي يجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي.

و أشير ضمن هذا الإطار،  الى أن الوضع المتقدم للمغرب مع دول الاتحاد الأوروبي، يعد سابقة في مسار نشأة هذا الأخير، ككيان دولي متعدد، ومنه شكل اعترفا بجهود المغرب من جهة، و من جهة اخرى تتويجا فريدا للعلاقات الثنائية المتميزة التي أسسها جلالة الملك، و الرقي بها نموذجًا رائدا للتعاون المتوسطي بين دول الشمال والجنوب، إلا أن إسبانيا يبدو لم تدرك بعد حجم ومكانة المملكة المغربية وقيمة شراكتها المتعددة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في العديد من القضايا الاستراتيجية، ولذلك فإن الجار الشمالية، تعد اليوم هي الخاسر الأكبر، بالنظر الى  الموقع الدولي الذي يحظى به المغرب اليوم، وايضا الى جانب يقدمه لشركائه الرئيسيين ، وبالتالي لن تضر اسبانيا سوى نفسها ، ومن خلالها شركائها.

 

بالنظر الى التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين الرباط ومدريد، بدءً باستضافة الأخيرة لإبراهيم غالي، مرورا بواقعة نزوح المهاجرين الى سبتة المحتلة، وصولا الى شبه القطيعة غير المعلنة التي وصلت اليها العلاقات بين البلدين اليوم..ما هي وجهة نظرك بشان المنحى الذي اتخذته هاته الأزمة ؟

في البداية و بالرجوع لسياق مجريات الأحداث، وتقاطعها بمواقف الحكومة الاسبانية، يمكن القول أن هاته الردود في جوهرها كشفت الستار عن أزمة ثقة واحترام متبادل تم الإخلال بهما من طرف الجارة الإسبانية، كما تعبر عن  تراكم الخطوات العدائية/الممنهجة سواء المعلنة أو الخفية ضد مصالح المغرب، منذ اعلان الولايات المتحدة الأميركية اعترافها بمغربية الصحراء، معززاً  بإصدار مرسوم رئاسي، بما يشكله ذلك من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري. هذا التوجه و ما صاحبه من اعترافات دولية تجسدت على أرض الواقع بافتتاح مجموعة من القنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة، و ما تعرفه من دينامية مستمرة للدعم الصريح لها، كلها أسباب و أخرى عديدة، جعلت المشكل بين المغرب واسبانيا يتجسد اساس في “مشكل ثقة”، تم تقويضها بين شريكين، و بالتالي جوهر الأزمة هو الدوافع خفية لإسبانيا، راء معاداتها لقضية الصحراء المغربية.

اليوم مواقف الحكومة الإسبانية تشكل اختبارا لموثوقية الشراكة بين المغرب وإسبانيا، حيث يبدو أن قرارات اسبانيا أصبحت تتناقض تماما مع قواعد و مبادئ الشراكة التي تجمع البلدين، بل أكثر من ذلك تسيء بشكل جدي للتعاون الثنائي المغربي/الإسباني على عدة مستويات-سياسيا وأمنيا، و بالتالي من الطبيعي أن يعبر المغرب عن موقفه و لاسيما أن ينبه الحكومة الاسبانية بانحراف مسار الشراكة و التعاون و مبادئ حسن الجوار.

إسبانيا نهجت قرارات أحادية الجانب دون اخبار المغرب وبالتالي نحن أمام حالة مزاجية تعكس ردود الفعل للحكومة الاسبانية وتجعلها من منظور سياستها، علاقة انتقائية تتسم بالاهتمام و الطلب الملح، عندما تمس قضاياها كالهجرة أو ردع الإرهاب بالقارة الأوروبية، في حين تنكمش كلما تعلق الأمر بقضايا المغرب بالتآمر مع الجزائر ومنظمة البوليساريو الارهابية، بحيث تتراجع بشكل فجائي غير مبرر لتكون مواقفها ضبابية متدثرة برداء عداء، يجسد كيدا سياسيا دفينا لمصالح بلادنا و لا يحترم السعي نحو تطوير علاقاتها مع الشركاء المبنية في جوهرها على مبادئ حسن الجوار و التعاون المشترك في شتى المجالات.

وتأسيسا على ذلك، يمكن القول أن هاته الأزمة ، أماطت اللثام بشكل فاضح عن مواقف إسبانيا العدائية واستراتيجياتها المسيئة تجاه قضية الصحراء المغربية. وأظهرت حقيقة مواقف جارنا الشمالي، وكشفت تواطئه مع خصوم المملكة، ضد المصالح العيا للمملكة.

على ضوء ما وقع..برأيك هل سيدفع ذلك اسبانيا الى مراجعة طريقتها في التعامل مع المغرب مستقبلا، وخاصة مراجعة مواقفها المناوئة لمصالحه العليا ؟

لابد من الإشارة أن المغرب كان دائما منفتحا خدوما لديمومة التعاون في جميع المجالات، ومن المفترض أن ينال موقعا يمكنه من أن يكون شريكا يجسد لعلاقة/تفاعلية مبنية على أسس الند للند، ومبدأ رابح رابح، و المعاملة بالمثل وقواعد الشرف المحفزة على الاستمرارية و التعاون المشترك، و بالنظر الى مواقف الجارة الاسبانية بات بحكم المؤكد أن اسبانيا لم تتواطئ فحسب، بل أكثر من ذلك خططت بشكل ممنهج و متعمد لااستضافة زعيم ميليشيات “البوليساريو” الانفصالية/الإرهابية بأراضيها، و ما يؤكد ذلك، هو أن عملية الاستقبال تمت بأوراق مزورة على التراب الإسباني، في تجاهل تام للمملكة المغربية، بالرغم من ان المدعو “ابراهيم غالي”،  موضوع متابعات قضائية في إسبانيا، ذات صلة بجرائم خطيرة ضد الإنسانية، وممارسة التعذيب، والاغتصاب، والإرهاب، والاختطاف، والذي أعلن علاوة على ذلك، الحرب على المغرب، و أيضا رفضه منذ نونبر 2020 احترام اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991.

مدريد نهجت توجها فرديا/ أحاديا غير مبرر، وتعمدت عدم استشارة المغرب أو شركاءها الأوروبيين، قبل اتخاذها قرارها بالموافقة على استقبال مجرم حرب على أراضيها بهوية مزورة، و بالتالي فإن إسبانيا تتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع  ووصولها الى مستوى “أزمة”، ويتوجب على حكومة مدريد، أن تعي جيدا، أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وبالتالي إعادة النظر بشكل واضح و صريح في نظرتها لمعايير الشراكة مع المغرب، لأنها مهما حاولت التحايل على المواقف، ومهما حاولت تلميع صورتها، من خلال تسخير بعض مؤسساتها الاعلامية والصحفية، لن يكون بمقدروها نكران أو نفي إنزلاقها في هدا الموقف العدائي ضد مصالح المغرب، لاسيما أمام الشعب الّإسباني،

ومن جهة أخرى، إسبانيا مطالبةبالتركيز على أصل المشكل قبل الحديث عن مسببات أخرى، لأن حسن الجوار لم يكن يوما طريقا ذا اتجاه واحد، فالمغرب ليس ملزم في العديد من القضايا و في مقدمتها الهجرة الغير شرعية، و بالتالي لن يكون حارس بوابة أوروبا، كونه يقوم بالتعاون كشريك على أساس فهم مصالح الطرفين. و من هذا المنطلق، يمكن القول أن اسبانيا ملزمة على اعادة النظر في تعاملها مع المغرب، على أساس متين واضح و صريح، و تنسيق دائم في كل ما يخص بلادنا، وخاصة  احترام جوهر  القضايا الوطنية و عدم التواطؤ مع الجبهة الارهابية و حاضنها نظام العسكر الجزائري، وأن تعلن بشكل رسمي واضح وصريح على غرار دول عديدة، موقفها الواضح إزاء قضية الصحراء المغربية، بالاعتراف بسيادة المملكة عليها. و آنذاك ستكون المشكلة حلت بحل جوهرها، المبني أساسه على واجب الوضوح و الحسم في المواقف، إنصافا للحق و تفعيلا للشراكات الثنائية بين البلدين، ما دون ذلك سيبقى الأمور على حالها، وستستمر اسبانيا، في نهجها المبني على تشتيت الانتباه على القضايا الرئيسية، وجر النقاش أو على الأصح تهريبه، الى قضايا هامشية و ثانوية.

*باحث اأكاديمي بجامعة الحسن الثاني كلية الحقوق عين الشق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *