أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

 

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت

توقفنا عند أني أصبحت سيد الشرطة!.. أفلا أكون عبدا شكورا. أفلا أوقن أني “حُررت” وأنه صارت لي دولة، بدل المنزل الذي دُمّر وشعب عوض عائلتي التي فُرّقت وأختَي اللتين قتلتا.

فأنشدت:

طاب المقام وطاب إنشادي فعليك مني السلام يا أرض أجدادي..

وتزوجت. وبنيت بيتا محترما من “الطوب”. وأنجبت أربعة أبناء.. ولما صرت أبا ورأيت كيف يتعلق أبنائي بي. وكيف أحن إليهم. تذكرت أنه كان لي أب! وأنه منذ ثلاثين سنة يتحرّق شوقا لاحتضاني.

والدي؟.. والدي؟. أين والدي؟! والدي في فم “سبع”. لكنه يبقى والدي، وعلي أن أجازف لرؤيته، إن لم تكن حاجة لي فهي حتما أكبر أمنياته، فلا يدري متى يطبق السبع فكيه ولا يرى فلذات أكباده ثانية.

غامرت وذهبت لزيارة والدي، ولن أستطيع وصف شعوري لكم عندما ولجت معبر الكركرات في ربيع 2010. لقد اعترتني قشعريرة من رأسي حتى أخمص قدمي لما وطأت أرض “الغابة المظلمة” حيث يسيطر “الوحش”، الذي كنا نسمع عنه منذ الصغر.

المسافة من الكركرات إلى مدينة السمارة ليست قصيرة، لكنني لم أشعر بطولها، لأنّ فكري وكل جوارحي كانت مشغولة،  ففي أية لحظة قد يقفز “وحش” من النافذة فيقتلعنا من السيارة أو تأخذنا عاصفة أو يسقط علينا كسف من السماء.. ولم أنتبه حتى لاحت أمامي إشارة مرورية مكتوب عليها “السمارة -7 كلم”.

لم أصدق نفسي.. وصلت أخيرا..

أخيرا،  بعد 31 سنة من الفرقة، ألتقي والدي سالما معافى وفي منزل أكبر من منزلنا القديم، مؤثث تأثيثا جيدا. وكان علي أن أحتضنه و ألمسه، لأتأكد من أني لست في حلم.

لا تقل إني أبالغ، فوالدي يسكن في مدينة السمارة التي يسيطر عليها “الوحش”. ولا يعقل أن أجده حيا ، فبالأحرى أن يكون حاله أفضل مني. أم أنك نسيت؟!.. لا تجعلني أشعر بأن كل ما علّمتني عن “الوحش” الذي “يحتل مدينتنا ويأسر أهلنا” كان كله كذبا!

الآن، سأجاريك وأصمت. لأدعك تجيب: هل السمارة يسيطر عليها “الوحش” أم انك كنت تكذب؟!

وللقصية بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *