رشيد لزرق
مازالت الحكومة لا تريد اختتام الدورة الاستثنائية للبرلمان، في اانتظار التوصل بقرارات المحكمة الدستورية بخصوص دستورية القوانين الانتخابية الجديدة المؤطرة لاستحقاقات 2021، بعدما رفع حزب العدالة التنمية قضية الخلاف على قانون “القاسم الانتخابي” إلى قضاة المحكمة الدستورية، للنظر في مدى دستورية القانون موضوع الخلاف بين الفرقاء السياسيين في البرلمان.
وشكّل رفع القوانين الى المحكمة الدستورية إشكالا دستوريا في جعل الدورة مفتوحة و”عجز” الحكومة عن إصدار مرسوم يعلن إغلاق الدورة البرلمانية الاستثنائية، بعد استكمال جدول أعمالها المحدد بالمرسوم رقم 2.21.124 المتعلق بدعوة مجلس النواب ومجلس المستشارين إلى عقد دورة استثنائية ابتداء من يوم الثلاثاء 2 مارس 2021، طبقا لأحكام الفصل الـ66 من الدستور، إذ لم تصدر حكومة سعد الدين العثماني مرسوم اختتام الدورة المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل المذكور، الذي ينصّ على أنه ”تعقد دورة البرلمان الاستثنائية على أساس جدول أعمال محدد، وعندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال تختم الدورة بمرسوم”.
وينص النظام الداخلي لمجلس، على أن الدورة الاستثنائية تعدّ منتهية “إذا ما حل موعد افتتاح الدورة العادية ولم يبت المجلس في جميع القضايا المحددة في جدول أعمالها، حيث تستمر مناقشة القضايا المدرجة في جدول أعمال الدورة الاستثنائية والبت فيها خلال الدورة العادية”. في وقت يظهر بالملموس ضرب التوافق من خلال شدود العدالة والتنمية عن توافق الأحزاب الممتلة في البرلمان من خلال الإصرار على معارض تغيير احتساب القاسم الانتخابي، إذ وظف منصبه كرئيس للحكومة لخدمة صفته كأمين عامّ للعدالة والتنمية من خلال رفع ملحوظات كتابية إلى المحكمة الدستورية، لكون القانون التنظيمي للمحكمة للدستورية “يجيز لرئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وأعضاء المجلسين أن يدلوا إلى المحكمة الدستورية بما يبدو لهم من ملحوظات كتابية في شأن القضية المعروضة عليها”. وينص القانون التنظيمي للمحكمة للدستورية على أن يحيل رئيس الحكومة على الفور القوانين التنظيمية التي أقرّها البرلمان، بصفة نهائية، إلى المحكمة المذكورة، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، قصد البتّ في مطابقتها للدستور، مضيفا أنه ”يشار في رسالة الإحالة، عند الاقتضاء، إلى أن الأمر يدعو إلى التعجيل بالبتّ في الموضوع”.
ويحاول العدالة والتنمية نقل المعركة التشريعية على القوانين الانتخابية المؤطرة لاستحقاقات 2021، من تحت قبة البرلمان الى المحكمة الدستورية. وغاية خطوة العدالة والتنمية بنقل الصراع إلى القضاء الدستوري هو “جهل بالقواعد الدستورية والقوانين”، على اعتبار القوانين التنظيمية ترفع بقوة القانون إلى المحكمة الدستورية، التي تعمل على مراقبة مدى احترامها للدستور.
فالقانون الانتخابي هو توافق بين الفرقاء السياسيين، و لا يمكن للمشرّع أن يتدخل في الموضوع على اعتبار احترام السيادة الشعبية، والبرلمان بتصويته قال كلمته في السيادة الشعبية، فالمشرع المغربي كان ذكيا ولم ينص على نمط الاقتراع في فصل من فصول الدستور، وذلك لتركه للتباري وتصارع الفرقاء السياسيين والفرق البرلمانية.
فالقوانين التنظيمية تمر بقوة القانون قبل نشرها في الجريدة الرسمية، والتهديد مجرد لغط ناتج عن الجهل القانون والبؤس التنظيمي والاضمحلال السياسي، وأظهر البعض تخلفا فكريا في التعاطي مع السيادة الشعبية، هؤلاء يعضّون على السلطة بالنواجذ، ولا سياسية لهم و لا أفق تدبيري لهم، وآخر من يمكنه أن يتحدّث عن الديمقراطية هم العدالة والتنمية، وما فعلوه في القاسم لم يفعلوه في قوانين اجتماعية مهمة تدلّ على دفاعهم عن مصالحهم الانتخابية فقط.. في وقت لم يدافعو عن استهداف المصالح الشعبية وإنهاء الدخل الفردي للمواطن. والعدالة والتنمية، إذ يؤكد موقفه الرافض لاعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، فإنما لما له من مسّ بجوهر بمصالحه الحزبية الضيقة وما يمثله من إخلال بالتعددية وتكريس للقطبية الجوفاء.
كلنا لاحظنا الأسماء نفسها التي خرجت إبّان “البلوكاج” وتسببت في عزل بنكيران، خرجت اليوم بالتعابير نفسها في محاولة لإعطاء تأويلات أحادية للدستور، تخرج علينا اليوم في موضوع القاسم الانتخابي، ما يسمون أساتذة ومحللي حزب العدالة والتنمية، كوّنوا جوقة مهمتها الإفتاء دون سند فقهي ولا زاد نظري حول قضية القاسم الانتخابي بعد تعديله في البرلمان، وتثبيت احتسابه بناء على عدد المسجلين، وليس على عدد المصوتين، كما يطالب بذلك “البيجيدي”.
وتتواصل تحليلات وفتاوى قوى التدين السياسي حول قضية القاسم الانتخابي، تزامنا مع وجود المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات في المحكمة الدستورية، لحسم مطابقتها لفصول الدستور، وكذلك لحسم الطعن الذي قدمه فريق “البيجيدي” في البرلمان حول قانونية القاسم الانتخابي الجديد.
وتناسلت تصريحات جوقة المحسوبين على هذا التيار في محاولة ممارسة توجيه قضاة المحكمة الدستورية عبر لغَط سياسي اعتادوه في التعاطي مع المؤسسات.
فالمحكمة الدستورية ستبت في تعديل المادة الـ84 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، بموجب الفصل الـ132 من الدستور، لكونه يحال لزوما على المحكمة الدستورية لتبتّ في مطابقته للدستور، قبل الشروع في تطبيقه، ووظيفة المحكمة الدستورية هي الحرص على احترام الدستور من قبَل جميع المؤسسات، بما فيها مؤسسة البرلمان في التشريع.
وبتحديد هندسة نمط الاقتراع، الذي هو اختصاص أصيل للبرلمان ولا يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية تحديد هندسته، والسند في ذلك كون المشرع الدستوري المغربي لم ينص على نمط الاقتراع في الدستور، لأن غاية المشرع الدستوري هي جعل تحديد ذلك من اختصاص البرلمان، إذ نص في الفقرة الثانية من الفصل الـ62 من الدستور على أنه ”يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب ونظام انتخابهم ومبادئ التقسيم الانتخابي والشروط القابلة للانتخاب وحالات التنافي وقواعد الحد من الجمع بين انتدابات ونظام المنازعة الانتخابية”، وذلك بخلاف بعض التجارب الدولية، التي نصت على تحديد نمط الاقتراع، كالتجربة الهندية، لكي لا يترك للفاعلين السياسيين مهمة تغيير نمط الاقتراع، لهذا فإن الدستور المغربي جعل تحديد نمط الاقتراع وهندسته من اختصاص البرلمان. لا سبيل للقول إن ذلك متعارض مع الدستور.
حسب التحليلات المغلوطة، وهي جزء من حملة الغرف المظلمة ضد كل من يعارضها، إذ إن بعض المحسوبين على الجامعة المغربية يفعلون في تأويلات متعسفة للدستور بمغالطات لم يأت بها الفقه الدستوري من سلطان، كما فعلوا في قراءتهم للبلوكاج الذي أفرز عزل بنكيران. وهنا نتساءل: هل هم مستعدون لتقديم اعتذار على تلك المعلومات المغلوطة، بعد أن تقول المحكمة الدستورية كلمتها؟..
واقع الحال يكشف أن العدالة والتنمية خرج على التوافق وبات يعيش عزلة سياسية، بعد أن وجه سهام نقده لكل الأحزاب؛ ولم يبق له من حلفائه سوى العدل والإحسان، إذ إن مزايدات العدالة والتنمية للظهور بمظهر المظلومية فاعليتها في ذلك التملص من المسؤولية والالتفاف على تقديم مشروعية إنجاز بسبب حصيلتهم الكارثية في التدبير.