المصطفى الحروشي

 

 احتدم الجدل بخصوص الإجراءات الحكومية المتوقعة لمواجهة عودة فيروس كورونا إلى التفشي بقوة، خصوصا بنسخته البريطانية المتحورة. ويأتي ذلك على بعد أيام من حلول رمضان، بكل طقوسه وأجوائه، التي يكثر خلالها “الاختلاط” بين المغاربة، من خلال صلة الرحم، التي يحرصون على إحيائها في مثل هذه المناسبات الدينية، خصوصا إن سُمح بأداء الصلوات في المساجد، بما في ذلك صلاة التراويح، التي تشهد تجمّعات هائلة بكل المقاييس.

ومن أجل الإحاطة بما يثار بهذا الخصوص ومعرفة حقيقة الوضع وما قد تلجا إليه الجهات الوصية من قرارات، استقصينا رأي يونس التايب، المستشار في السياسات العمومية والتنمية والإدماج، فكان بيننا الحوار التالي:

– بعد فرنسا، هل تظن أن المغرب مقبل على عودة التشدد، إن لم نقل الحجر الجزئي، خلال الأسابيع القادمة؟

عذرا، ولكن اسمح لي بأن أتساءل معك: لماذا ربطت في سؤالك بين ما قررته السلطات الفرنسية، كمقدمة لاستشراف ما قد يتقرر عندنا في باب مواجهة فيروس كورونا؟.. (يبتسم) هذا الربط غير ضروري وليس مسنودا بأي شكل من الأشكال.. التجربة الفرنسية لها مميزاتها وسياقها، وطريقة تدبير المملكة المغربية لجائحة كوفيد 19 لها سياقها ومنهجيتها، التي تميزت بالاستباقية و بقرارات سيادية ذات بعد اجتماعي واقتصادي أمر بها ملك البلاد. وبالتالي، يجب أن نسائل تجربتنا ونستشرف واقعنا بالنظر إلى سياقنا الخاص واستقلالية قراراتنا عن أية جهة خارجية. هذه قناعتي وأتمنى أن يتقاسمها معي غالبية الناس..

وبالعودة إلى صلب السؤال، أظن أن الحالة الفرنسية، والأوروبية عامة، تميزت مؤخرا بتسجيل ارتفاع كبير في عدد المصابين بفيروس كورونا وظهور نوع جديد متحور من هذا الفيروس. كما تميزت بضعف وتيرة التلقيح لعدم تمكن عدد من الدول الأوروبية، ومنها فرنسا، من توفير حصص كافية من اللقاحات. بالإضافة إلى ما حدث من ارتباك بعد الجدل حول أثر أحد اللقاحات، والذي لم تتأكد خطورة آثاره الجانبية فعليا.. وكل ذلك دفع السلطات هنالك إلى تشديد الإجراءات والعودة إلى حالة تشبه حجرا صحيا جديدا غير مكتمل. 

بالنسبة إلى المغرب، لدينا وضع مختلف: أولا، من جهة الإحصائيات الخاصة بعدد المصابين فهي ما زالت في مستويات متقاربة منذ عدة أسابيع، كما أننا نسير في الحملة الوطنية للتلقيح ضد كوفيد 19 بوتيرة متميزة ومنظمة. 

هذه المعطيات تجعلنا، إلى حدود الساعة، في وضعية ضبط وتحكم في الحائحة. لكنْ يبقى ضروريا الاحتياط واليقظة، خاصة بعد تسجيل بؤر من الفيروس في شكله المتحور في مدينة الداخلة نموذجا، وبعد تسجيل وفيات يوميا تقريبا بسبب الفيروس، بلغت يوم أمس الجمعة عشر وفيات. 

لذلك، أظن أننا ما زلنا مطالبين بالحزم وتجديد التواصل بطرق جديدة و بوجوه جديدة ومقبولة لدى الناس، كي ننبّه المواطنين إلى أن المباراة ما زالت مستمرة، وعلينا الاحتياط من أخطاء الدقائق الأخيرة، التي قد تكون بأثر يسيء إلى المكتسبات والمجهودات المبذولة وطنيا من قبَل الدولة المغربية وصبر الناس وتحمّلهم منذ سنة أعباءَ مواجهة الجائحة.

على أبناء وطننا أن يعرفوا أنهم ما زالوا مدعوين إلى احترام التباعد الاجتماعي ووضع الكمامة والحرص على النظافة وتفادي التجمعات، في المقاهي وفي غيرها، والانخراط القوي في حملة التلقيح التي وفرتها الدولة، والتي بعد انتهائها يمكن أن نقلص هامش إعادة انتشار الجائحة كما نراه الآن، مع الأسف، في أوروبا.

هذا هو المطلوب، إذا كان المواطنون لا يرغبون في حجر صحي جديد، بما له من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية لا نريدها مرة أخرى. 

– أعربت السلطات الصحية المغربية عن قلقها إزاء تطور الحالة الوبائية عشية شهر رمضان.. هل تتوقع تبعا لذلك منع صلاة التراويح؟

من الواجب أن يكون لدى السلطات الصحية مثل هذا القلق، لأنها تلاحظ كيف يعيد كورونا هجومه على البشر في عدة دول بقوة في ما يسمى “الموجة الثالثة”، وترى أيضا كيف أن عددا من مواطنينا أصبحوا غير مبالين بالإجراءات الوقائية يظنون أن “المباراة” انتهت. ونحن نلاحظ ذلك النوع من الاستهتار، أو الثقة الزائدة، في الشارع وفي سلوك الناس. وهذا غير منطقي بالنظر إلى الوضع الوبائي العالمي. 

 ما علينا أن نعرفه هو أن حفظ النفس يسبق أي شيء، بمقتضى الشرع أولا. وبالتالي، إذا كان تجمع المؤمنين في صلاة التراويح، بالكثافة التي نعرف في مساجد بلدنا، والحمد لله، قد يحمل مخاطر على أرواحهم، فعلينا أن نشرح للناس ذلك، وعلينا أن نعطي الكلمة لعلمائنا ليعيدوا توضيح وبيان ما قالوه لنا السنة الماضية، من أن قيام الليل والصلاة خلال ليالي رمضان في البيت مع أفراد الأسرة، فيها، بإذن الله، من الأجر ما في صلاة التراويح في المسجد. 

وبالتالي، لا مجال لجعل هذا الموضوع يأخذ أكثر مما يستحق في تفكير الناس. المهم هو حفظ أرواح كل مواطنينا كي يعودوا إلى حياة طبيعية في مستقبل الأيام، ومنها رمضان المبارك للسنة المقبلة بعد أن نكون قد خرجنا من النفق.

– ما تقييمك لعلاقة السلطة بالمواطن على مستوى إنفاذ القانون واحترام حقوق الإنسان خلال الجائحة؟ 

تقييم علاقة السلطة بالمواطن على مستوى إنفاذ القانون واحترام حقوق الإنسان، في ارتباط بحالة الطوارئ الصحية.. أظن أنها مرت بعدة مراحل، منذ مارس 2020، تاريخ بداية الجائحة، وما تبعها من قرارات. 

ويمكن القول اإن طول هذه المرحلة، التي تجاوزت السنة وأكثر، و ما كان فيها من مجهود نفسي ومن عياء ومن ضغط كبير، وما خلفته من أثر اجتماعي واقتصادي على بعض الفئات، والتعب الذي يشعر به المواطنون من مختلف المستويات الاجتماعية، جراء حالة الطوارئ الصحية، التي تحدّ من تحرك الناس.. كلها عوامل تبرر وجود ضغط نفسي يؤدي إلى تجاوزات هنا وهناك، من كل الأطراف. 

لكن ما لا يمكن التشكيك فيه هو أن الصورة العامة تبقى إيجابية جدا، والحالات التي تم تسجيلها وقيل إن فيها تجاوزات تظل هامشية مقارنة بحجم تدخلات السلطات العمومية لحماية صحة المواطنين وسلامتهم. 

شخصيا، أعتبر أن الإيجابي يمحو السلبي، وأن تحليلنا للأمور يجب أن يستحضر نصف الكأس المملوء. وفي حالتنا هو مملوء أكثر من النصف بكثير.. ولنا في أجواء التعبئة الجادة، التي يشيد بها الجميع ونشاهدها في الحملة الوطنية للتلقيح، أكبر دليل على أننا نسير في اتجاه الخروج من النفق. والقادم أحلى بكل تأكيد، وسترون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *