طلحة جبريل 

كنت أظن أنني استوفيت مرثيات فبراير، لكن تلقيت دعوة للمشاركة في ندوة عن “صحافة القرب”، وكانت المناسبة “الذكرى الأولى لرحيل فقيد ملفات تادلة..محمد الحجام” كما جاء في الدعوة. كنت أتمنى المشاركة حضورياً وليس عن بعد، لكن الظروف الضاغطة جعلت المشاركة متعذرة.

الآن، كل ما أتمناه هو رحيل شهر المرثيات. لعل من المفارقات المحزنة أن محمد الحجام سقط مغشياً عليه بمحطة الحافلات في بني ملال في رحلة كانت مقررة نحو الرباط، لكن النهاية كانت رحلة اخرى غير مقدرة نحو القبر، بعد أن خانه قلبه. 

قبل سنوات سقط مبدع آخر، وكان رحيله مأساوياً، وهو القاص مبارك الدريبي، كان ذلك أيضاً في “المغرب العميق” كما يقول الروائي عبد الكريم الجويطي.

تعرفت عن قرب على محمد الحجام خلال زيارات متكررة إلى بني ملال، وسمعت منه الكثير من الوقائع والحكايات.

أما المحزن في قصة مبارك الدريبي أن رحيله كان أكثر مأساوية إذ خانه قلبه كذلك داخل مطحنة للغلال كان يعمل بها في وادي زم .

لن أزعم أنه كان صديقاً، لكنني عرفته عن قرب يوم كان يطحن أيامه بمطحنة للغلال في القنيطرة. كان عادة ما يرتدي معطفاً جميلاً، دون ربطة عنق ، ويضع نظارات سوداء ، ياتي إلى الرباط في كل مرة متأبطاً قصة قصيرة .

كنا نجلس أحياناً بمقهى في وسط الرباط، نتجاذب أطراف حديث عن القنيطرة والادب والقصة القصيرة، ظل دائم الشكوى من ضيق ذات اليد الذي يحول بينه وبين طبع مجموعاته القصصية. تحدثنا كثيراًعن تفاصيل وحكايات أخرى لم أعد أتذكرها. 

أجد دائماً متعة في قراءة قصصه، إذ اعتاد أن يغرف من واقع المطحونين في القنيطرة. في جمله القصيرة ولغته الحادة ، نفساً إبداعياً ملفتاً. يعرف جيداً كيف يضع على لسان ابطاله كلمات معبرة حتي ولو كانوا من الأميين المسحوقين.

راحت الأيام تمر أياماً بعد ايام، ولم تعد تصلني اخبار الدريبي إلا لماماً، ثم تناهى إلى علمي انه إنتقل إلى وادى زم، ليعمل هناك ايضاً في مطحنة للغلال.

حين علمت انه حمل معه المهنة نفسها من القنيطرة الى وادي زم ، أوحى ذلك بفكرة كتابة بورتريه عن مبارك الدريبي القاص والإنسان، و قصة صراعه مع الحياة وسط غبار الدقيق وازيز ماكينات طحن الغلال. 

لكن قلب الدريبي لم يمهله طويلاَ .سقط داخل مطحنة الغلال، وعندما نقل الى منزله ، كان قد فارق حياتنا، اما حياته هو، فستبقى بيننا بمجموعاته القصصية، وقصصه المبعثرة هنا وهناك .

رحم الله محمد الحجام ومبارك الدريبي.

*كاتب/صحفي 

الصورتان. 

*طلحة مع محمد الحجام الراحل المقيم في واحدة من مسامرات بني ملال

*مبارك الدريبي في صورة لملصق لمهرجان عن القصة القصيرة قبل سنوات في مشرع بلقصيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *