محمد أحداد

 

منذ أن وافق المغرب على استخدام نبتة القنب الهندي للأغراض الطبية صعدت أصوات سياسية كثيرة تريد أن تبحث عن تخريجة مقنعة لملف ظل دائما محرجا للدولة.

هناك صنف من الناس، ينظرون للتنمية في الجبال وفي المناطق الفقيرة، من مكاتبهم، متوهمين أن مآسي الناس أمر هين ويمكن أن تنسى بسهولة. هؤلاء، هم أنفسهم هم الذين كانوا يهاجمونك وأنت تصف بدقة كيف يعيش فلاحون بسطاء حياة بدائية تفتقر للحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.

كانوا يعتبروننا نؤصل لأشياء عجيبة وغير موجودة، ثم ما إن تنفجر الألغام، يتساءلون: هل هذا فعلا موجود.

أن تفكر الدولة في تقنين زراعة الكيف أمر محمود، لكنه نصف الحل. أما النصف الآخر فهي تعرفه جيدا: العفو الشامل عن كل المتابعين في قضايا تتعلق بزراعة الحشيش والاعتذار للآلاف الذين راحوا ضحية فقط لأنهم كانوا يبحثون عن مورد رزق.

يجب أن تتعلم الدولة الدروس من الماضي، وهي أن الاعتذار لا يعني فقط تعويض الأشخاص، بل توفير بدائل تنموية للساكنة (المصانع، الطرقات، السياحة، تشجيع الفلاحة، بناء المدارس والمستشفيات…).

الفقر في زرقت وبني جميل وبني بوفراح وسنادة وباب برد والمناطق القريبة من كتامة والمعروفة بزراعة الكيف يمشي على رجليه وهؤلاء المزارعون البسطاء الذين يعتقد جزء واسع من المغاربة أن “العشبة العجيبة” أغنتهم، يبحثون عن الخبز والماء، وعن احتمال ضئيل في الحياة.

للأسف درج الكثيرون على اتهام الفلاحين الصغار بتوسيع رقعة زراعة القنب الهندي والاغتناء الفاحش، والحال أنه لو كان الكيف يخلق الثروة ويدر الملايير على الساكنة، لأصبح موسم الثلج موسما عاديًا مثل أي دولة أوربية، فتقرير الأمم المتحدة يتحدث عن عشرات الملايين من الدولارات تدرها الزراعة لكنها تذهب في الأخير إلى مافيات الاتجار الدولي في المخدرات بينما ينال الفلاحون “الشنعة”.

لنتساءل بمنطق الفائدة الاقتصادية: ما الذي جنته كتامة من تجارة الحشيش طيلة هذه السنوات؟ هل أصبحت الضواحي قطبًا اقتصاديًا كبيرا تتجاور فيه المعامل؟ هل تفوق المال على شراسة الجبال ووصلت خطوط السكة الحديدية إلى إساكن وبوزينب أو بني عمارت وباب برد؟ .

هل تغيرت عادات السكان ليصير مستواهم المعيشي قريبًا جدا من النمط الأوربي؟ ثم هل ساهم “السم المحلي” في خلق طبقة متوسطة قوية؟ وكم من المسارح ومن دور السينما نهضت بسبب الكيف فقط؟ وكم من مشروع سياحي شيد بأموال الكيف في تلك المناطق الوعرة؟.

لا شيء على الإطلاق؛ بل جنت غضب أجهزة الدولة في التسعينيات من القرن الماضي بعد صدور التقرير الأوربي الشهير.. أحرقت حقول الضعفاء وشردت عشرات العائلات وحولوا المئات ممن كانوا يواجهون الحياة بصدر عار إلى جحيم. بطبيعة الحال، بقيت حقول الأقوياء والمتنفذين.. لأنهم يزرعون النعناع. وجنت كتامة كذلك أحكاما مسبقة لا حصر لها تواجه ساكنتها في كل مكان.

يتوجب على الجميع أن يلتقط الإشارات القادمة من هذه المنطقة، فـ”الخوف الأصيل” الذي كان يحول حياة الناس إلى جحيم حقيقي لم يعد مثلما كان بسبب حراك شبابي قوي ينافس الأحزاب السياسية ويقدم بدائل لم تستطع الدولة نفسها أن تقترحها.

بصيغة أخرى، فإن الاعتقاد الذي كان سائدا قبل سنوات من أن هذه المناطق قدرها أن تفاوض الجميع من أجل أن تحافظ على “النبتة العجيبة” لم يعد قائما لأن المتاجرين الكبار بالمخدرات عرفوا كيف يتحكمون في الأسعار وفي رقاب الفلاحين.. لنقلها صراحة: كتامة- وهي التعبير المجازي عن زراعة الكيف- لم تصبح تبيض ذهبا أخضر بل تبيضا فقرا ومآس إنسانية عميقة.. والكثير من الحكرة.

لقد اختصر عجوز كان يتحدث في تصريح صحافي: حقيقة الوضع في كتامة حين قال:”لا يوجد سوى الكيف والزلط”.

*كاتب/صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *