رشيد نيني

البعض يعطي للأرضية التي تقدم بها مجهولون ينتمون لشبيبة حزب العدالة والتنمية للمجلس الوطني للحزب من أجل مطالبته بعقد مؤتمر استثنائي، أهمية أكبر مما تستحقه، متحدثا عن انقلاب.

والبعض الآخر ذهب مذهبًا في التحليل أعطى لأصحاب هذه المبادرة القدرة على قلب الموازين داخل الحزب وإسقاط الحكومة حتى، وهو ما يمكن أن ندخله في باب الهذيان.

ما سماها أصحابها أرضية دون أن تتوفر لديهم حتى الجرأة السياسية والشجاعة الأدبية للإعلان عن أنفسهم ليست في الحقيقة سوى مناورة لتجمع مصالح يبحث عن التموقع داخل الحزب لحجز مكان حول المائدة التي ستنزل خلال انتخابات 2021.

وأول شيء بدأ به كتبة الأرضية كذبة كبيرة وهي أن حزب العدالة والتنمية حزب وطني خرج من رحم الشعب، كما لو أن مؤسسي هذا الحزب كانوا لاجئين في الجبال ببنادقهم في مواجهة النظام أو كأن قادته دخلوا السجون وعاشوا في المنافي، والحال أن الجميع يعرف نشأة وولادة حزب العدالة والتنمية، والجميع يعلم أن قادة جماعة الإصلاح والتجديد التي كان يتزعمها بنكيران، كانت لهم اتصالات مع جهات عليا في الدولة، لأنهم كانوا يرغبون في تأسيس حزب سياسي، لكن الدولة كانت تتحفظ على ذلك، وكان بنكيران في اتصال دائم مع وزير الداخلية، وكان له اتصال مع وزير الأوقاف السابق، أحمد العلوي المدغري، لتسهيل دخولهم إلى العمل السياسي، والمخطط الذي كان مطروحا هو تسهيل التحاقهم بحزب الاستقلال، لكن في الأخير تقرر إلحاقهم بحزب الحركة الشعبية الدستورية، لأنه قبل الاتصال بالخطيب، كانت اتصالات مع حزب الاستقلال لإدماج جماعة بنكيران في العمل السياسي، لكن محمد الدويري فرض عليهم الدخول إلى الحزب كأفراد وطلب منهم «يشدو الصف»، والالتحاق بالحزب من نقطة الصفر، أي الانخراط في الفروع المحلية على غرار باقي المنخرطين، قبل وصولهم إلى القيادة، لكن بنكيران وإخوانه كانوا يريدون اختصار المسافة للوصول إلى القيادة بسرعة، لذلك اعتبروا حزب الحركة الشعبية الدستورية هو الحزب الذي سيمكنهم من الوصول إلى القيادة بسهولة، وبعد قوة نفوذ اليسار في أوساط المجتمع، كانت جهات بالدولة تبحث عن خلق التوازن، ولذلك كان ضروريا الرهان على الإسلاميين لإدماجهم في العمل السياسي، وكانت هناك دوافع لتسهيل التحاقهم بحزب الخطيب.

والبقية تعرفونها طبعا، دخل الحزب إلى البرلمان وبدأ اكتساحه للمشهد مستعملا المظاهر الخارجية للتدين، واستطاع قياديوه بفضل قدراتهم الخطابية وأساليبهم في التلاعب بعقول أراذل القوم أن يكونوا قاعدة شعبية، خصوصا في الأحياء الهامشية ووسط الطبقات الشعبية المهمشة، وحولوها إلى آلة انتخابية جبارة.

ورغم كل الخطابات الثورية والشعارات الرنانة التي يرفعها قادة الحزب فإن حزبهم يبقى حزبا خارجا من رحم المخزن وليس من رحم الشعب، ولذلك فعندما تشتد الأزمة بينه وبين المخزن فإنه ينكمش ويعود إلى أصله متحججا بالمصلحة الوطنية والحس البراغماتي لتدبير الأزمة، أي في النهاية مجرد حزب كأيتها أحزاب إدارية.

وحتى نعود إلى الأرضية فيمكن أن نقول إنها تتوفر على ما يسمى في أدبيات اليسار بالتحالف الموضوعي، أي أن دمها تفرق بين قبائل وتيارات داخل الحزب يجمعها طموح واحد وهو الرغبة في الاستفادة.

بنكيران، الذي ينام فوق وسادة تدخلها سبعة ملايين كل شهر، لديه مصلحة من وراء هذه الأرضية، وأي شيء أي حركة أي سلوك يمكن أن يسحب الشرعية من القيادة الحالية للحزب سيدعمها دون تفكير وسيوفر لها الغطاء السياسي. ببساطة لأنه يعتبر أن إخوانه أهانوه وقدموه قربانا على مذبح السلطة وقتلوه وعبروا فوق جثته، بالمفهوم السياسي، نحو مناصبهم الحكومية. لذلك فهو يقبل أن يستعمله دراري الحزب كفزاعة لإشهارها في وجه الدولة، يعني اتركوا الحزب يستفيد مما سماه يتيم “المحافظة على المكتسبات” وإلا سنأتي لكم ببنكيران لكي يعلن حربه الحنجرية عليكم.

بالنسبة لشبيبة العدالة والتنمية فالأرضية أداة بالنسبة لبعض قيادييها لممارسة الضغط منذ الآن تحسبًا للوزيعة. والشبيبة ليسوا على قلب رجل واحد، فداخل صفوفها تتعايش، أو تتصارع، ثلاثة أنواع.

نوعان التزما الصمت حيال الأرضية مثلما درجوا على الفعل حيال القضايا السجالية الداخلية للحزب، ومنهما النوع الذي استفاد، ومنه حزيم مستشار الرميد والبرلماني السابق في لائحة الشباب، وأمكراز البرلماني السابق ووزير الشغل الحالي، ومحمد الطويل البرلماني عن اللائحة، ورضى بوكمازي برلماني آسفي عن لائحة الشباب.

وهناك النوع الثاني من الذين يمكن أن نسميهم الموعودين بجنة البرلمان في لائحة الشباب، ومنهم حسن حمورو وهو موظف في البرلمان ألحق به من مدارس طاطا، وعادل الصغير المستشار السابق في ديوان الوزيرة السابقة بسيمة الحقاوي والموظف بوزارة العدل، ونزار خيرون المكلف بكوارث حساب العثماني على تويتر وفيسبوك، وأسماء خوجة زوجة خالد بوقرعي وقريبة عبد الوحيد خوجة الأمين العام لمجلس المستشارين.

والهيلالي الذي عينه نبيل بنعبد الله عندما كان وزيرًا مديرا للشؤون القانونية بوزارة الإسكان في إطار صفقة سياسية مع بنكيران رئيس الحكومة آنذاك، قبل أن تقتلعه الوزيرة الحالية من مكانه هو وبقية مسامير الميدة التي طرقها بنعبد الله في وزارة الإسكان.

ثم هناك عبد العلي السهول من مجايلي الهيلالي ومؤسس فصيل الطلبة التجديديين بالجامعة الذي تم تعيينه مؤخرا من طرف الرميد مدير الشؤون الإدارية والمالية بوزارة حقوق الإنسان المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، بعدما كان قد جلبه الحبيب الشوباني إلى وزارة العلاقات مع البرلمان كرئيس قسم قبل أن يرقيه الرميد إلى مدير مركزي مقابل ثلاثة ملايين شهريًا .

ثم هناك النوع الثالث وهو النوع الذي يمارس الضغط والابتزاز بمثل هذه الأرضية لضمان موطئ قدم داخل الحكومة والبرلمان المقبلين، وعلى رأس هؤلاء نجد رجل التعليم بلال التليدي الذي لم يهضم كيف أن صهره خالد الصمدي الذي لم يكن لا في العير ولا في النفير داخل الحزب تحول في غفلة من الجميع إلى وزير ثم عضو للمجلس الأعلى للتعليم والآن يشرف على مهمة لدى رئيس الحكومة في ملف التعليم العالي مقابل تعويض يصل لخمسة ملايين في الشهر.

بلال التليدي الذي يعدد الخرجات والحوارات هذه الأيام يشعر بأنه خرج من المولد بلا حمص، خصوصًا وأن كل مجايليه داخل الحزب حصلوا على نصيبهم من الكعكة، وعلى رأسهم عبد العالي حامي الدين رئيس لجنة التعليم بالبرلمان ونائب رئيس جهة الرباط والذي يراكم شهريا بمعية زوجته البرلمانية راتبا قدره عشرة ملايين.

بلال التليدي يرى كيف أن مصطفى الخلفي الذي أسس بمعيته عندما كان لا يملك سوى صندالة الصبع مركز دراسات تابعا لحركة التوحيد والإصلاح والذي كان عاطلا عن العمل فأصبح وزيرًا وبرلمانيًا عن دائرة سيدي بنور وانتقل من حي الخبازات بالقنيطرة إلى فيلا في منتجع الهرهورة، جنب بوليف وأمكراز الذي كان محاميًا متدربا فصار وزيرا. لهذا نفهم لماذا يتحدث بلال التليدي بحرقة عن أزمة أفكار تضرب الحزب وعن الشبكة المهيمنة داخل الحزب.

بالإضافة إلى هؤلاء هناك خالد الرحموني العضو السابق للأمانة العامة للحزب المقرب من بنكيران والذي، على العكس من الآخرين، لم يستفد شيئًا من وجود الحزب طوال عشر سنوات في السلطة.

ثم هناك خالد بوقرعي صاحب أكبر عدد من التعويضات والذي استفاد من ولايتين برلمانيتين ومن منصب محاسب مجلس النواب المشرف عمليًا على جميع صفقاته بالإضافة إلى منصب نائب رئيس جهة فاس مكناس.

وهناك عبد الصمد حيكر البرلماني لولايتين ونائب عمدة الدار البيضاء وعضو مكتب مجلس النواب السابق. ثم هناك كبيرتهم آمنة ماء العينين التي خرجت اليوم تكيل التهم لحكومة بنكيران التي هادنت الفساد والتي تعرف أن أوراقها احترقت ولن تظفر بمقعد بمجلس النواب لذلك تضغط لكي تستفيد من ولاية ثالثة عبر ترشيحها من طرف نقابة الاتحاد الوطني للشغل لولاية بمجلس المستشارين.

السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بخصوص هذا المشهد الحزبي الذي يعطي عن نفسه صورة الحزب المقبل على التشظي هو لماذا كل هذه الحروب داخل حزب ظل يعطي عن نفسه صورة الحزب الطهراني الذي يشتغل أعضاؤه مع الله في سبيل الله؟

الجواب هو أن المحرك الرئيسي لهذه الأرضية ليس هو المبادئ وإنما المصالح، فالعثماني لديه اليوم ما يعطي لأبناء العدالة والتنمية إذا ما عاد الحزب لقيادة الحكومة، فهناك 330 منصبا في الفريق الوزاري، منها عشرة لمرتبطين بالديوان وستة يأتي بهم الوزير مكلفين بالدراسات بمبالغ محترمة أقلها 15000 درهم، ولدى الوزير الحق في التعاقد مع 12 خبيرا بمقابل يصل إلى 40000 درهم وفق مرسوم التعاقد الذي تركه بنكيران والذي أحدث زوبعة في حينه.

الكعكة التي يسيل لها لعاب تابعي العثماني لا تقف عند هذا الحد بل هناك مناصب المسؤولية التي سيكون التعيين فيها تحت إمرة الوزير، الذي تحته 12 كاتبا عاما، وأكثر من 30 مديرا مركزيا، وأكثر من 150 رئيس قسم، وأكثر من 300 رئيس مصلحة.

فهل فهمتم الآن أسباب نزول هذه الأرضية؟

  • رشيد نيني (صحفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات
  1. وهذا هو الحزب الإسلامي وإلا فلا شرذمة من الوصوليين الانتهازيين ظللوا الناس بواسطة ورع مزيف ومبادئ لا أساس لها عصابة محنكة ومدربة على النصب والاحتيال ضد شعب مغلوب محقر جاهل في غالبيته شعب يطمح إلى التغيير ولكن ماشي مع هادو سيحصل التغيير أبداً …