فرنسا-حنان الدرقاوي

من الخطأ العلمي إعتبار أن الأخلاق مرتبطة بالأدیان أو بالعقل، حتى ذلك أن علم النفس التطوري یظهر بوضوح أن الأخلاق أعرق من ذلك بكثیر والوازع الأخلاقي الذي تحدث عنه ایمانویل كانط impératif catégorique هو تقعید بعدي لشعور وعاطفة الاستهجان والاستحسان وفي صلبها إحساس التعاطف مع الآخرین empathie والتي تمكن أي إنسان سوي من أن یضع نفسه مكان الآخر فلا يؤذيه لأنه لا یحب أن تتم أذیته هو أيضا.

 وهاته العاطفة موجودة عند “البونوبو” وكافة القرود العلیا ولم یعد هناك مجال للتشكیك في وجود جد مشترك بیننا وهاته القرود التعاطف هو أساس المجتمعات والأسر والقوانین وأیضا أساس المقاولة الانسانیة والمواطنة، اذ أن رب العمل لا یتوقف عن أداء أجر العامل لأنه یتصور نفسه مكانه ومكان أطفاله مناسبة هذا التقدیم؟.

لقد أقدمت مؤسسة مؤمنون بلاحدود وهي مؤسسة ثقافیة بتمویل إماراتي على حرمان مأجوریها من مستحقات الفصل عن العمل في عز أزمة كورونا في ضرب واضح لقوانین الشغل وأیضا لأي أثر للتعاطف الذي تقدر علیه “البونوبو” واقترحت تعویضا هزیلا لا یغطي ساعات العمل.

رغم أموال النفط وسیاحة الأغنیاء في الإمارات، فإن خدم شیوخها بهذا التصرف بالضبط أثبتوا أنهم أقل بكثیر من القرود العلیا وأنهم أخلاقیا أدنى من البونوبو، عدا أن دفع الأجر هو واجب على رب العمل ویضبطه عقد وقانون. 

إن خدم الشیوخ الذین قفزوا على فقرة من فقرات تطور البشر كان یمكن أن تأخذهم على الأقل عاطفة التعاطف خاصة في زمن كورونا الذي تصاعدت فیه دعوات من كل الآفاق بالمزید من التضامن بین البشر .

ففیما یتبرع نجوم السينما، ملحدون، فجرة، بالملایین من الدولارات، یحرم خدم شیوخ النفط مأجوریهم من مستحقاتهم وستجدهم في كل مكان یتبجحون بمكارم الأخلاق والكرم الحاتمي  إكرام المأجور أداء مستحقاته كاملة.

 نشرت شخصیا مع مؤمنون بلاحدود في مجلتیها ذوات العامة ومجلتها المتخصصة في الفلسفة “یتفكرون” لسبب واحد هو ثقتي في أیقونة الإعلام الثقافي سعیدة شریف التي كانت رئیسة تحریر ذوات ولولا أثرها الجمیل بین جمهور المثقفین لما التف أحد على مجلة تعویضها هزیل بالمقارنة مع مجلات شرقیة.

“یتفكرون”، أیضا حققت تلقي جید واستقطبت أقلاما جیدة لأن رئیس تحریرها مشتغل بالفلسفة بجدیة وفي الظل منذ عقود.

 یمكن للمال أن یشتري أشیاء كثیرة لكنه لا یشتري قلمًا جیدا ولا انتسابًا متواترًا إلى جدنا المشترك “البونوبو” وفیه أعظم النسب ومكارم الأخلاق.

لست وحدك سعیدة شريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات