حكيم عنكر

عاش الراحل عبد الرحمان اليوسفي، ثلاث “تأخيرات” كان لها تأثير شخصي حاسم على حياته: التأخير الأول، يتعلق بحقيقة اغتيال المهدي بنبركة والكشف عن قتلته، والتأخير الثاني، يخص المدة الزمنية الطويلة التي استغرقها النضال الديمقراطي قبل أن يتحقق الانتقال، والتأخير الثالث، وهو شخصي جدا، ويتعلق برفيقة حياته، هيلين.

وقد كشف في مذكراته :أحاديث في ما جرى” عن جوانب من حياته الخاصة، وبالضبط حديثه عن ملابسات لقائه بزوجته اليونانية، هيلين، في الدار البيضاء، والأثر الكبير الذي سيكون لهذه المرأة على حياته، في المغرب وفي باريس.

ومن قسوة الأحداث التي عاناها اليوسفي، أنه سيضطر إلى تأخير الارتباط بهذه السيدة، لأكثر من 18 سنة، سيوثق زواجه أخيرا في باريس بواسطة محاميه المناضل الجزائري أحمد بن بلة. وهو مدين لهذه المرأة الفاضلة بالكثير، بعد أمه، التي انتظرت طويلا عودته من المنفى، قبل أن يتحقق ذلك.

يسرد اليوسفي في مذكراته كيف تعرف على زوجته هيلين “تعرفت على زوجتي “هيلين”  HELENEبالصدفة بمدينة الدار البيضاء سنة، 1947 وكانت المناسبة انتهاء السنة الدراسية بنجاح، فقررنا أن نقدم في الحفل المنظم عرضا مسرحيا، كان نصيبي فيه دور النادل .Barman

وقرر المخرج أن أرتدي بذلة بيضاء للقيام بهذا الدور ،وبما أني لا أتوفر عليها ،كان علي التوجه عند الخياط لتحضيرها ،وقد أرشدني أحدهم إلى خياط كان قد حل حديثا بالمدينة قادما إليها من فرنسا، وفتح محله بالشارع الذي يحمل حاليا اسم الأمير مولاي عبد الله.

ولم يكن هذا الخياط المقصود غير والد “هيلين” والذي تعرفت عليه هو الآخر واسمه السيد “باندليس كيسيسوكلو” .PANDALIS KESSISSOGLOU

بعد فترة ،جمعتنا صدفة ثانية ،حين دعاني الحاج أحمد بناني،تاجر الأثواب بالجملة بالدار البيضاء، لتناول العشاء معه وفوجئت عندما وجدت هناك “هيلين” وعائلتها، وكانت مناسبة للتعرف عليهم، حيث علمت أنها عائلة من أصل يوناني معروفة، تحمل اسم “كيسيسوكلو”، كان جدها يتاجر بالبواخر بين تركيا وروسيا لعقود، وكانوا يقيمون بمدينة “إنوبلوس” على البحر الأسود .وبعد الحرب العالمية الأولى احتل الأتراك تلك المنطقة، فخيروا جميع اليونانيين الأرثوذكس بين التخلي عن ديانتهم للحفاظ على ثرواتهم أو الرحيل خارج المنطقة.

اختارت عائلتها الرحيل ،ليتوجه أفرادها مباشرة إلى مدينة “ليون” الفرنسية .كان والد هيلين لا يزال أعزبا ،وتعرف على أمها “كريستني كراملمبوس. ليتم الزواج بمدينة ليون، حيث رأت النور زوجتي “هيلين” ،وأختها “أنييت” وأخويها “ألن”  ALAIN و”جون” .JEAN 

بعد الحرب العالمية الثانية ،شجع أحد الأصدقاء عائلة هيلين ،والذي كان يعمل طبيبا للعيون بمدينة الدار البيضاء ،هو الدكتور “دور”  ،DR. DAUREعلى المجيء إلى المغرب، وهذا ما حصل سنة  ،1947حيث فتح والدها محلا للخياطة بالشارع الذي يحمل اسم الأمير مولاي عبد الله حاليا، بينما فتحت أمها دكانا لبيع ملابس الأطفال بالشارع الذي يحمل اسم الشهيد مصطفى المعاني حاليا.

لقد دامت الخطبة زمنا طويلا ،ساهم في إطالتها الاعتقال الأول سنة  ،1959ثم الاعتقال الثاني سنة  ،1963ثم قضية المهدي بن بركة ،حيث سافرت لمتابعة إدارة القضية كطرف مدني بباريس، ولم يصدر الحكم إلا سنة 1967.

في سنة  1965قررت عائلة “هيلين” مغادرة المغرب بصفة نهائية واستقرت في مدينة كان ” “CANNES بالجنوب الفرنسي .وفي سنة  ،1968أي بعد إحدى وعشرين سنة من التعرف على هيلين وعائلتها  تم عقد زواجنا ببلدية الدائرة السادسة لمدينة باريس، وقد أشرفت على عقد هذا القران محامية الصديق أحمد بن بلة الأستاذة “مدلني -لفو -فريون”

.MADLEINE -LAFUE-VERON

لقد احتملت زوجتي هيلين ،وضحت بالكثير من أجل الوقوف إلى جانبي ،وساعدتني في رحلة الغربة الشاقة والمتعبة، وأنا مدين لها بالكثير، لأنني كنت دائم التنقل من اجتماع إلى اجتماع ،ومن موعد إلى آخر، كما كنت أتلقى زيارات كثيرة في أي وقت ،ليلا نهارا .والشكر موصول لها أيضا على العلاقة الخاصة والمتينة، التي كانت تربط بينها وبين والدتي رغم غياب التواصل اللغوي ولكن كيمياء التواصل كانت ترسي بينهما بشكل غريب، وكان تبادل المحبة والود بينهما متأصلا وعظيما لدرجة أثارت انتباه الجميع. كان والد هيلني ،منذ الستينيات من القرن الماضي ،يداعبني ويكرر على مسامعي باستمرار ،متى يقوم ملككم الحسن الثاني بتعيينك وزيرا أول لكي يرتاح ،غير أنه مات ستة أشهر قبل أن يلبي الملك الراحل رغبته”.

*صحفي بالعربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *