إلى حدود الآن هناك ثلاث مقاربات دولية في التعامل مع جائحة كورونا.

هناك رؤساء الدول الذين سخروا من الفيروس وقللوا من خطورته، وعندما شاهدوا مواطنيهم يسقطون تباعًا تراجعوا وقرروا تطبيق الحجر الصحي، مثل البريطاني المتنطع بوريس جونسون والأمريكي الأهوج ترامب.

ثم هناك الرؤساء الذين يطالبون الناس بالخروج من منازلهم وعدم الخوف من كورونا مثل الرئيس البرازيلي الأبله الذي قال أن الفيروس مجرد خدعة إعلامية.

ثم هناك القادة الذين يتمتعون بنظرة استباقية واستشرافية للأحداث، كالملك محمد السادس، الذي استشعر خطورة الجائحة وأمر بإغلاق الحدود واتخذ إجراءات صارمة منذ البداية وأحدث صندوقا للتبرع لمقاومة الجائحة، قبل أن تتبعه دول أوربية بعدما تفشى فيها الوباء.

وعلى مستوى التعامل الدولي مع الجائحة هناك مقاربتان، الأولى تطبق الحجر الصحي الشامل، والمغرب إحدى الدول التي تقوم بذلك، والثانية تطبق حجرًا صحيًا مخففًا مع إجراء الفحوصات على مدار الساعة لمواطنيها لمحاصرة الفيروس في مهده، وهذا ما تقوم به ألمانيا التي تجري 500.000 ألف فحص أسبوعيا، وهذا أيضا ما قامت به كوريا الجنوبية التي استطاعت أن تنتصر على الفيروس بإجراء 12.000 فحص في اليوم، وهذا ما تقوم به فرنسا متأخرة حيث تجري 5.000 فحصا في اليوم وأمريكا التي تجري 10.000 فحصا في اليوم.

في المغرب ومنذ الثالث من مارس إلى اليوم لم يتم إنجاز سوى 2.000 فحص لم يشمل سوى الأشخاص الذين ظهرت عليهم احتمالات أعراض الإصابة.

وبعملية بسيطة نستنتج أنه بما أن لدينا 25 حالة وفاة من بين 390 حالة مؤكدة فإن نسبة الوفيات تصل إلى 6,41 بالمائة، وهي نسبة مرتفعة جدا إذا ما قارناها مع نسب الوفيات التي لدى فرنسا مثلا، حيث لا تتعدى 5,7 % بعدد موتى يفوق 1696 من أصل 29581 حالة مؤكدة.

وتبقى نسبة الوفيات بالمغرب الناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا مرتفعة حتى بالنسبة للمعدل العالمي، إذا أن معدل الوفيات العالمي هو 4,52 بالمائة، أي 24863 حالة وفاة من أصل 549604.

هذا يعني شيئًا واحدًا وهو أن وزارة الصحة لا تقوم بما يكفي من التحاليل لمعرفة العدد الحقيقي للمصابين، وطبعا نحن هنا لا نتحدث عن حالات الوفاة في البيوت والتي بدورها تتطلب تحليلات لتأكيد أو استبعاد الوفاة بالفيروس.

وبما أن المغرب استفاد منذ بداية الجائحة من أخطاء الآخرين وقلد النماذج العالمية الناجحة فعليه أن يكمل سيره في هذا المسار ولا ينتظر حتى يصل إلى المستوى الكارثي الذي وصلت إليه فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأمريكا لكي يشرع في إطلاق حملة واسعة للفحوصات لا تنحصر فقط في المختبرات الثلاثة الرسمية المعهود لهم لهذه المهمة، بل كل المختبرات التي لديها إمكانية القيام بذلك. بما في ذلك المختبرات الجهوية البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ONSSA.

ولعل أول من يجب أن يبدأ بهم الفحص هم جنود المعركة الذين يواجهون العدو في الخطوط الأمامية، أي الأطباء والممرضون وكل الذين يشتغلون عن قرب مع المصابين. هؤلاء هم جنود المعركة وذخيرتها الحية التي يجب حمايتها من التلف. فهؤلاء الجنود عندما ينتهون من عملهم يعودون إلى بيوتهم حيث يمكن أن يحملوا العدوى لأهلهم، وهكذا يتحولون إلى ناقلي مرض من المستشفيات إلى خارجها. أضف إلى ذلك أنهم إذا أصيبوا فلن نجد من يقدم الخدمات الصحية للمصابين، زد على ذلك أن كثرة الإصابات في صفوف الأطباء تؤدي إلى هبوط حاد لمعنويات كل العاملين في قطاع الصحة، وهذا شاهدناه في مستشفيات إسبانيا وفرنسا وإيطاليا.

كما يجب أن تشمل هذه الفحوصات جميع رجال السلطة والأمن والدرك والجيش الذين يأمنون سلامة المواطنين ويسهرون على حسن تطبيق القانون في الميدان. فهؤلاء الجنود يجب أن يكون معدل التهديد الفيروسي عندهم صفر بالمائة.

لقد اتضح الآن أن هذه المعركة أكبر من وزارة الصحة بكثير وأكبر من رئيس الحكومة الذي كلما تكلم اقترف كارثة، وأن الأمر أصبح يتطلب إنشاء هيئة عليا سيادية مكونة من الخبراء والإستراتيجيين والبروفيسورات والباحثين المشهود لهم بالكفاءة والوطنية تشرف على هذه المعركة دون ارتباك، وتدبر الميزانيات الكبيرة المرصودة لها من صندوق مكافحة كورونا بعقلانية وتركيز وبعد نظر.

علينا أن نتبع مسار النماذج الناجحة في العالم والمسارعة للسير على خطاها، وأن لا نترك للإرتباك والشللية والبيروقراطية الحكومية أن ترهن مستقبل بلد بكامله وتسير به نحو المجهول.

 

رشيد نيني مدير النشر للمجموعة الإعلامية “أوال”

ينشر بموافقة الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *