نور الدين اليزيد

 الكاتب الصحفي: نور الدين اليزيد

كاريكاتير:أرشيف الفنان خالد الكدار

“حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية، مثل الصحة والتعليم، فلا يجب أن تشرف على كل شيء، بل ينبغي أن يقتصر دورها على منح يد العون للقطاع الخاص الراغب في الإشراف على هذه الخدمات”.

قائل هذا الكلام هو رئيس الحكومة السابق وعراب الإسلاميين إلى الحكم عبد الإله بنكيران، الذي لا يُسمع له اليوم صوت ولا أنين ولا تضامن مع مرضى فيروس كورونا، وهو المعروف عنه طول لسانه ولايفاته المباشرة وتعليقاته عن كل صغيرة وكبيرة..

بنكيران اعتبر قطاع الصحة قطاع خدمات تماما كما هي قطاعات ترحيل الخدمات كمراكز النداء centres d’appel التي يمكن للخواص ورجال الأعمال أن يفتحوها ويغلقوها متى شاؤوا وبحسب تقلبات السوق وحجم العرض والطب، ولم يعتبر الصحة قطاعا حيويا واستراتيجية حاسمة تتبعها البلدان التي تحترم آدمية شعوبها، وتوفر لهم خدمات ورعاية طبية محترمة، ولذلك كان عرّاب الإسلاميين يستعد لإدخال القطاع إلى سوق الدلالة قصد جلب بعض الملايين من حسابات أباطرة وتُجار المآسي والحروب ليسد بها ثقوب الخزيمة العامة التي لم تكفيه جيوب المواطنين الذين لطالما غرف منها عبر الرفع من الأسعار والزيادة في النظام الضريبي ورفع قيمته!.

وما دمنا نتحدث عن الإسلاميين وعن حزب اسمه العدالة والتنمية فلا بأس أن نعرج عن الصيغة التركية لنفس الاسم ولنفس المرجعية، حيث خرج حفدة العثمانيين هذا الأسبوع يفتخرون بنظام رعايتهم الصحي الذي بات يضاهي بل يتفوق على نظيره في أوروبا المتقدمة؛ وتفيد المعطيات أنه قبل 18 سنة، أي قبل مجيء “إخوان” رجب طييب أردوغان إلى الحُكم، كانت البنية الصحية في وضعية مزرية رغم إغداق مال كثير عليها، ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة تمّ تجميع النظام الصحي بأكمله تحت سقف واحد، بحسب مستشار الرئيس ياسين أقطاي، وتم القضاء على الفساد بصرامة، وأُنشئت استثمارات مهمة من الأموال الفائضة بسبب القضاء على الفساد، وخلال مدّة قصيرة أصبحت خدمات النظام الصحي متاحةً لجميع المواطنين، ويمكنهم تلقّي الخدمات بالجودة والسرعة نفسها دون أيّ تمييز بين الأغنياء والفقراء، بل أكثر من ذلك ليوم، بات اليوم المواطن التركي لا يحتاج لأجل الاستفادة من خدمات نظام الرعاية الصحية في بلاده سوى أن يبرز هويته الشخصيّة، وأصبحت خدمات الرعاية الصحية التركية الأفضلَ جودةً والأرخصَ في العالم، وعلاوةً على ذلك، فإن الرعاية الصحية والخدمات المرتبطة بها قابلة للتصدير، حيث لا يخفى على أحد ما أصبحت عليه تركيا من كونها قبلة للسياحة الصحية أو العلاجية، حيث يتوجه إليها الناس من اوروبا وأمريكا لهذه الغاية!

وواصل الحزب الحاكم في تركيا تكريس استراتيجيته في القطاع الصحي وتوجه في السنوات الأخيرة إلى إنشاء ما يسمى المدن الطبية الضخمة، وكانت خطوة مهمة نحو تقليل عدد المرضى والأسِرّة لكل طبيب، ومع أن المعارضة رأت أنّ هذه الطاقة الاستيعابية العالية غير ضرورية، بل إنها رأت أن في هذه المشاريع إسرافا وإضاعة للمال، إلا أن الجميع بات اليوم في زمن جائحة كورونا يقف على صدقية ونجاعة الاستراتيجية التي تبناها إسلاميو تركيا وهم في الحكم، بخصوص القطاع الصحي، انسجاما ومقولة: “اجعل الناس يعيشون كي تعيش الدولة”، كما قال مستشار الرئيس التركي!

مثل هذه السياسات الضخمة والتي تصب في خانة الصالح العام والمواطن أساسا، لن تجنب البلاد والعباد خطر جائحة مثل هاته التي نعيشها، لكن على الأقل تجعل الأوطان في وضع الحد الأدنى من الاستعداد للمواجهة لا أن تكون تحت خط المعدل العام أو قابا قوسين أو أدنى من الصّفر!

إذا كان لرئيس الحكومة السابق المسمى بنكيران جرأة ليتحدث مرة أخرى للرأي العام، فعليه أن يتحلى بالمروءة اللازمة التي يتحلى بها الرجال ويقر أمام رؤوس الأشهاد أن سياسته لم تكن شعبية بالمَرة والمطلق، والقطاع الصحي فقط نموذج، دعك من قطاع الشغل والتعليم وباقي “التويشيات” الأخرى كتقاعد البرلمانيين والوزراء وهو التقاعد الذي تحيا اليوم على ريعه وتنعم بملايينه التي لم تعرق عليها لا سامحك الله فيها..

و خليونا ساكتين

خليك فالدار

كلنا ضد كورونا

*ينشر بإتفاق مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات
  1. بن كيران لولا سمعو ليه كون لبلاد ماوصلت لهاذ الكارثة ياولدي نحن نعرف من هو السبب ومن يريد أن يغرق البلاد غير بقى في دارك أحسن لك