وجّه أحمد الدافيري، الكاتب الصحافي والمثقف المغربي، رسالة مؤثرة وحبلى بالمعاني إلى زميله السابق في الدّراسة ربيع لخليع، كشف من خلالها جزاء من تاريخ “مول الترانات” مع نضالات اليسار ضد عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين، وكيف كان موقف لخليع من اعتقال زملاء له.. قبل أن يصبح رجل “مخزن” بامتياز سيذكره التاريخ، بحادث فاجعة بوقنادل.
وإليكم رسالة الدافيري كما دونها على جداره الفيسبوكي:

سيدي ربيع الخليع.. المدير العام الحالي للمكتب الوطني للسكك الحديدية.. ورئيس جمعية خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين. بما أنك كنت ذكيا جدا في مشوارك التعليمي منذ طفولتك وتمتاز بذاكرة جيدة فلابد أنك لم تنس أنني أنا وأنت كنا زميلين في نفس القسم في الموسم الجامعي 1982 /1983 بالسنة الأولى بالمدرسة المحمدية للمهندسين..

وكان هذا هو أول موسم تم فيه تطبيق قرار الملك الراحل الحسن الثاني بتحويل النظام الدراسي في المدرسة المحمدية للمهندسين إلى نظام دراسي عسكري بعد خطاب ألقاه على الشعب المغربي موضحا فيه أنه يريد أن تصبح هذه المدرسة نموذجا راقيا لتكوين المهندسين على غرار المدرسة المركزية ومدرسة بوليتيكنيك الفرنسيتين، وذلك بعدما ضاق النظام المغربي ذرعا من الإزعاج الذي كان يخلقه له الطلبة المهندسون في هذه المدرسة، والذين كان معظمهم يساريين. لقد كنت معنا في المدرسة سيدي ربيع نموذجا للطالب المهندس المجد والمجتهد الذي يحمل محفظته السوداء الكبيرة المليئة بكتب لالجيبر ولاناليز والميكانيك وليليكتريسيتي وغيرها من المواد، ولا يهمك ما تشهده ساحة المدرسة من احتجاج على تحويل المدرسة إلى ثكنة عسكرية.

ولم يكن يؤاخذك أي أحد على عدم التجاوب مع الدعوات إلى الإضرابات التي كان يخوضها الطلبة، ومن بينهم هذا العبد الضعيف الذي يخاطبك الآن، والذي تم إجباره على مغادرة المدرسة في أبريل 1983 بعدما تم الزج به حينها داخل الكاشو تحت الأرض في المدرسة، رفقة عدد من الطلبة اليساريين، من بينهم الطالب المهندس سي رشيد سليم Rachid Salim الذي كان رفيقي وصديقي في الغرفة والذي كنت أتقاسم معه الكثير من العواطف والأفكار..

لم يكن أحد، سيدي ربيع الخليع، يطلب منك أن تتضامن مع الطلبة المضربين، لأن لا أحد من الطلبة كان في تلك الفترة يجبر زميلا له على التضامن مع أحد، بحكم أنه من المفروض أن يكون التضامن قيمة عفوية داخل الإنسان ولا يحتاج إلى أن يذكّر به أحدٌ أحدا.. لكن اليوم، سيدي ربيع، ليس هو الأمس. أنت اليوم مسؤول كبير في قطاع حيوي داخل البلاد. تحمل حقيبة شاسعة تحتوي على أرواح عدد كبير من المغاربة، ولست مجرد طالب مهندس يحمل حقيبة جلدية سوداء تحتوي على كتب الرياضيات والفيزياء..

وقد آن الأوان لأن تعترف بأنه ينبغي عليك أن تتضامن معنا نحن الذين ما فتئنا نعاني منذ سنين من جحيم مقطوراتك وسوء إدارتك.. وإننا لا نطلب منك، سي ربيع، شيئا آخر في إطار تضامنك معنا سوى أن تحزم حقيبتك وترحل.. ارحل سي ربيع.. زميلنا القديم.. فما عاد الوقت يحتمل ما آل إليه حالنا مع خدماتك.. سأعتبرك شجاعا إن غادرت المكان.. وهذا ما كان..

#أحمد الدافيري كاتب صحافي ومثقف مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *