حسين عصيد

 

تبقى قضية احتلال اسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية إحدى أكثر الملفات إحراجاً بين المملكتين، وأكثرهما إعاقة لتطور العلاقات بين البلدين، فهذه القضية التي عمّرت طويلاً، والتي يتراءى للمهتم بها أنها لم تُراوح مكانها طويلاً، لازمتها أحداث هامة بين الفينة والأخرى، لعل أهمها هي تلك الذي جرت وقائعها منذ 40 عاماً، وبالضبط يوم 30 أبريل 1979، حين أبدى ملك اسبانيا السابق خوان كارلوس استعداده لمنح الثغر المُحتل مليلية للمغرب، مستجيباً لتداعيات المسيرة الخضراء، خاصة بعد فقدان مملكته لكامل مناطقها المُستعمَرة بالمغرب.

 

وثيقة سرية

 

تفاصيل الوثيقة الأمريكية السرية، تضمنها كتاب تحت «ملك الديمقراطية» أصدرته  دار النشر “غالكسيا غوتينبيرغ” الإسبانية  سنة 2017، تؤكد أن الملك خوان كارلوس قبل ذلك اليوم  بإمكانية التنازل عن مدينة مليلية المحتلة للمغرب، وإخضاع مدينة سبتة لنظام “الحماية الدولية” الشبيه بذلك الذي خضعت له مدينة طنجة ما بين 1923 إلى حين استقلال المغرب سنة 1956.

وقد أوردت الوثيقة أن الملك خوان كارلوس، الذي يعتبر نفسه الشقيق الأكبر للملك محمد السادس، والشقيق الأصغر للملك الراحل الحسن الثاني،  قد وجد نفسه في قلب العاصفة التي أثارها نشر الكتاب سنة 2017، والذي كشف عن نواياه في التخلي عن مليلية، عبر عنها خلال لقاء جمعه سنة  1979 بقصر “ثارثويلا” بمدريد مع المستشار الامريكي إد موسكي، المبعوث الشخصي حينها للرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وكان في جولة أوروبية من أجل مباحثات وصفت بـ “السرية جداً”، للتباحث  مع زعمائها  بخصوص أهم التحديات المشتركة التي كانت تواجه أمريكا وأوروبا حينئذ، ومن بينها  إيجاد حل لقضية الثغور المحتلة والصحراء المغربية، وتجنب أي مواجهة عسكرية بين المغرب وإسبانيا، وهما حليفان رئيسيان لها.

 

سبتة في مواجهة الملك

 

أثار كتاب ملك الديمقراطية ردود فعل واسعة داخل إسبانيا، وهاجم التشكيلان الحزبيان بمدينة سبتة  “تحالف كاباياس” و”الحركة من أجل الكرامة والمواطنة” الملك خوان كارلوس، متهمين إياه باللعب بمصير ومستقبل سبتة ومليلية، كما طالبتا كل من القصر والملك الإسباني بتكذيب أو تأكيد ما جاء في الكتاب، حيث بيانٍ لهما:” غريب سلوك الملك، الذي يبدو أنه يتصرف كملك العصور الوسطى أكثر منه كملك ديمقراطي مفترض”.

وكشفت وكالة الانباء “أوروبا بريس” آنذاك، أنها اطلعت على النسخة الأصلية من البرقية السرية الأمريكية، التي تتضمن خلاصة 90 دقيقة من اللقاء الذي جمع بين خوان كارلوس، والمستشار الأمريكي، والسفير الامريكي بإسبانيا، وأن هذه البرقية أرسلتها البعثة الدبلوماسية الأمريكية بمدريد إلى الإدارة الأمريكية، والتي رفعت عنها السرية في 2014، قبل أن يعثر عليها شارلس بويل، الباحث ومدير المعهد الملكي الإسباني.

 

حصاد المسيرة الخضراء

 

ويدرج في كتاب “ملك الديمقراطية” – الذي شارك فيه 10 باحثين – البرقية الأصلية، وتكشف أن خوان كارلوس أخبر ضيوفه الثلاثة “أنه منذ المسيرة الخضراء، أعقب الاحتلال المغربي لثغور مغربي تطورات جيوسياسية عدة، لذا تقضي الوضعية السياسية في ظروفها الراهنة آنذاك بالتنازل عن مليلية للمغرب في وقت قريب نسبيا، لأن تضم 10 ألف إسباني فقط”،  وفيما يخص سبتة كان يرى خوان كارلوس أن وضعها معقد، لأنه – حسب زعمه – يعيش فيها 60 ألف إسباني، مما يجعل من الصعب جعلها تحت السيادة المغربية، لذلك اقترح أن أفضل حل هو سنّ نظام شبيه بذلك الذي كان يسود في طنجة الدولية، حيث تخضع لتدبير مشترك بين المغرب وإسبانيا والاتحاد الأوربي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *