محمد التويجر*

جاء قتل الدركي الشاب مولاي عبد الله المهرازي (29 سنة) وهو يؤدي واجبه في الهرهورة بسبب تهور أحد “أبناء الفشوش”، الذين يعُدّون أنفسهم فوق القانون، لتفتح أعيننا، من جديد، على أن المغاربة فئتان: واحدة تلتزم بالقوانين التي يُفترض أن تؤطر علاقاتنا البينية، وأخرى تعدّ نفسها فوق هذا الناموس الوضعي، مختالة بنفوذها وجاهها، لا تقيم وزنا لأي كان، لأن هناك أبا أو أخا أو عمّا أو خالا يمتلك مفاتيح سحرية تقرّب البعيد وتحول المستحيل إلى ممكن.

تكررت الحوادث المأساوية، مخلفة وراءها أيتاما وثكالى وأرامل؛ وأكيد أن حادثة الهرهورة لن تكون آخرها، 

كم من ملف طُوي، لأن آل الضحية لا يمتلكون القوة والنفوذ اللذين يمكّنانهم من خوض معركة الكرامة للمطالبة بإحقاق الحق.. كم من حادث سُجّل ضد مجهول لأن الهواتف تحركت لطمس معالم القضية…

صرنا نضع أيادينا على قلوبنا ونحن نغادر بيوتنا مودعين أولادنا، خوفا من أن يرمي بنا القدر أمام متهورين “مفششين عندهم جْدّاهم في المعروف”..

أكيد أن الدركي الشهيد الشاب، المقبل على الحياة، الحالم بتحسين وضعية أسرته القاطنة بأحد أحياء خنيفرة الهامشية، لم يتخيل يوما أن سبورة أحلامه ستوشح بسواد الحزن وحمرة المأساة، لأن أحد مصّاصي الدماء لا يقيم وزنا لوضع الضحية الاعتباري، بحكم المهمة الموكولة إليه، والتي تخدم، في بداية الأمر ونهايته، توازن علاقاتنا نحن أفراد هذا المجتمع، مر من هناك.

صور الراحل وهو يلفظ أنفاسه في عين المكان وتفاصيل المأتم المهيب الذي ميّز عودته محمولا على أكتاف زملائه إلى بيت الأسرة، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه وتوديعه وهو متجه نحو رحلة اللاعودة تدمي القلوب وتُسائلنا جميعا: بماذا سينفعنا، نحن أبناء هذا البلد، إذا تم اعتقال المتهم وإيداعه السجن؟ هل سيغير ذلك في الأمر شيئا؟ خصوصا إذا ما علمنا كيف يعامَل هؤلاء داخل سجون، غالبا ما تتحول إلى فنادق من خمس نجوم، ينعمون فيها بكل ما يحتاجون!

كفى استهتارا! وعلى السلطات المختصة أن تتفاعل بما يكفي من شدة وجدية مع القضية، ليس لأن الضحية ينتمي إلى سلك الدرك، بل لكونه مواطنا قبل كل شيء، كان من المفترَض أن يشعر بالأمان، مطمئنّا إلى أن القانون الذي يسهم في تطبيقه يسري على الجميع، بلا تمييز.

ما الفائدة من آخر صيحات التجهيزات المتوفرة لرجال الأمن والدرك إذا لم نشعر معها بالأمان وبأننا محميون تجاه مجرمين متحرّرين من كل الضوابط، غير آبهين بمن سواهم من “مواطني الدّرجة الثانية”.

مزيدا من الحزم تجاه شباب طائشين حوّلوا طرقاتنا إلى حلبة لسباقات الموت، في الليل كما في النهار؟

في انتظار مستجدات التحقيق، كلنا ثقة في أجهزة الدولة لإنزال أقصى العقوبات بمن تسبب في وفاة دركي الهرهورة وهو في ريعان الشباب؛ ففي حزمها عبرة للآخرين… في احترامها المساطر، بلا محاباة أو تدخلات، طمأنةٌ لنا بأن وطننا لن يتحول إلى غابة ملئيئة بالحيوانات المفترسة.

رحم الله شهيد الواجب، مولاي عبد الله المهرازي، المتزوج حديثا، وألهم ذويه الصبر والسلوان، وليحيِ القضاء المستقلّ وأجهزة المراقبة المتيقظة الصارمة.

***

*صحافي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *