د. إدريس الفينة

منذ مدة انحدرت جلّ الأحزاب نحو الأسفل.. لم تعد تبحث عن الكفاءات، والعكس صحيح. الكفاءات بالنسبة إلى الأحزاب لم تعد تعني شيئا لأنها مصدر إزعاج ومساءلة.. 

زعماء الأحزاب الذين وصلوا بمنطق العصابات أو المال أو التعيين يبحثون، جلهم، عمن يقدّمون لهم الولاء وينفذون دون نقاش وعن أصحاب المال لتمويل الانتخابات، كيفما كان مصدره…

عندما نتتبع ونحلّل الخطاب اليومي للأحزاب، وخصوصا خطابات الزعماء، نستشعر حجم الكارثة التي حلت بهذه الهيآت، التي يعول عليها كثيرا. لا أتحدّث هنا عن القراءات المحينة للأحزاب لأوضاع المجتمع من أجل فهم ما يجري والمطلوب منها، فجلها لا تتوفر عليها؛ كما أنها لا تتوفر البتة على برامج موازية تحدد مدى جاهزيتها لتولي تدبير الشأن العام، كما هو الحال في الديموقراطيات المسؤولة. فالمنطق الذي تطورت عليه الأمور والقواعد الجديدة للتحالفات والوصول إلى المواقع المتقدمة في تدبير الشأن العام أمور أثرت كثيرا على هذه الاحزاب وجعلتها تتأقلم مع هذا الواقع الهجين وتفقد بذلك تراكماتها القديمة في مجال التدبير الحزبي والسياسي السليمين.

لا أحد باستطاعته التمييز اليوم بسهولة بين حزب يمينيّ ويساري وإسلامي.. الجميع لهم الخطاب المبتذل نفسُه والطموح والأهداف نفسها، أسماء متعددة بالمضمون ذاته. 

كما يصعب اليوم أن تجد تفسيرا لمصدر السلطة التي للزعيم، والتي تسمح له بالتحكّم في حزب بأكمله يشطّب على من يريد ويدفع بمن يريد.. من أين استمدّ هذه السلطة!؟ لا نعرف! وكيف يمكن لحزب أن يكون لا شيء ويصبح قوة سياسية أساسية ولا كيف يمكن لحزب لوحده أن يصبح ناطقا باسم دين الجميع ويوظفه لصالحه!..

إنها بعض الأسئلة التي لا تجعل الكفاءات تقترب من الأحزاب، لأنها لا تجد فيها الإطار الأنسبَ لتطوير الوطن وتنميته. فالعديد منها تفضّل أن تشتغل من زاويتها الخاصة وأن تلتقي مع كل من لهم تطلّعٌ بنّاء لتطوير البلاد، بعيدا عن المؤسسات الحزبية المريضة، التي جعل منها الدستور ومختلف التشريعات، مع الأسف، ممرا أساسيا للوصول إلى تدبير الشأن العام.

أصبح لزاما على الدولة اليوم القيام بعدد من المراجعات، وخصوصا جعل ورش إصلاح الأحزاب ورشاً إستراتيجيا كمدخل للتنمية الشاملة، ما سيسمح  للكفاءات بأن تعود من الباب الكبير إلى الأحزاب، ومنها لتسيير الشأن العامّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *