مع كل حادث من حوادث المدن العتيقة، تُعاد الأسطوانة ذاتها: البناية كانت مصنفة “خطرة”، السكان توصلوا بإشعارات بالإخلاء، السلطات تابعت الوضع.

لكن في النهاية، تنهار الجدران على رؤوس الأبرياء، وتسقط الأجساد تحت الأنقاض، في مشهد مأساوي بات يتكرر بلا نهاية.

جمال بورفيسي- le12.ma

مرة أخرى، تعود فاجعة انهيار المباني الآيلة للسقوط إلى الواجهة، بعد الحادث المروع الذي شهدته مدينة فاس ليلة الخميس/الجمعة، حين انهارت بناية سكنية بحي الحي الحسني – المرينيين، مخلفةً تسعة قتلى وسبعة جرحى، بعضهم في حالة خطيرة. حادث ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، في ظل استمرار مظاهر الإهمال والتقاعس وغياب تدخلات ناجعة تحمي الأرواح.

في شهر مارس الماضي، ومع أولى زخات المطر، اهتز حي العكاري في الرباط على وقع انهيار منزل تقليدي، أودى بحياة سيدة، وهو الحادث الذي تزامن مع انهيار جزء من حمام تقليدي في المدينة العتيقة بفاس، خلال أشغال ترميم. وقبل ذلك، سُجلت انهيارات مماثلة في مدن عدة ذات نسيج عمراني هش، أبرزها مراكش، الدار البيضاء، وتطوان.

ومع كل حادث، تُعاد الأسطوانة ذاتها: البناية كانت مصنفة “خطرة”، السكان توصلوا بإشعارات بالإخلاء، السلطات تابعت الوضع، لكن في النهاية، تنهار الجدران على رؤوس الأبرياء، وتسقط الأجساد تحت الأنقاض، في مشهد مأساوي بات يتكرر بلا نهاية.

أسئلة معلّقة وسط الركام

تكشف هذه الحوادث المتكررة عن اختلالات عميقة في تدبير هذا الملف الذي أصبح يشكل تهديداً صريحاً للحق في الحياة. كيف يمكن القبول باستمرار السكن في منازل مصنفة رسميًا ضمن “المنطقة الحمراء”؟ ولماذا لا تُفعّل أوامر الإخلاء بشكل حازم حين ترفض بعض الأسر المغادرة؟ وهل الاكتفاء بالإشعار، دون توفير بدائل سكنية أو اتخاذ قرارات تنفيذية، يُعفي السلطات من المسؤولية؟

من جهة أخرى، يُطرح سؤال حول فعالية عمليات الترميم الجارية في بعض المدن العتيقة، ومدى احترامها لمعايير السلامة. فكم من ورش انطلقت ثم توقفت، أو نفّذت دون مراقبة كافية؟ وكم من بناية رُممت لتنهار بعد أشهر؟

مقاربة استباقية مفقودة

المفارقة أن الجميع يعلم بخطورة الوضع، والبيانات الرسمية تؤكد فداحة الأرقام. ففي نهاية يناير الماضي، أوضح كاتب الدولة المكلف بالإسكان، أديب بن إبراهيم، أن معالجة هذه الظاهرة تواجه “إكراهات متعددة”، على رأسها الطابع “التطوري” لهذا النوع من السكن، ومحدودية دخل السكان، وضعف انخراطهم في برامج التدخل. وقد تم جرد نحو 38.800 بناية مهددة، وأُنجزت قرابة 13.700 خبرة تقنية، مع إحالة تقاريرها على العمالات والسلطات المحلية.

لكن، هل يكفي هذا؟ وهل نحن أمام مجرّد محاولة لتقنين الكارثة القادمة، أم خطة فعلية لحماية الأرواح؟.

الوقاية… لا العزاء

الواقع أن الشتاء المقبل قد يحمل معه ضحايا جدد، ما لم تتخذ السلطات إجراءات استباقية صارمة، تشمل إخلاءً فعليًا للمباني الآيلة للسقوط، وتوفير حلول سكنية انتقالية تحفظ كرامة السكان، وتعزيز المراقبة الهندسية لكل ورش ترميم. فلا يمكن ترك آلاف الأسر تعيش تحت “سيف ديموقليس”، في انتظار أن يسقط فوق رؤوسهم.

إن الحق في السكن لا يعني فقط وجود جدران وسقف، بل الحق في سكن آمن، يضمن الحياة الكريمة.

وكل تقاعس عن حماية هذا الحق هو اشتراك صامت في الجريمة، رغم أن المشهد غير المتبصر في معالجة الظاهرة، يجعلنا أمام كل كارثة نردد في غياب تفعيل المبدأ الدستوري  ربط المسوؤلية بالمحاسبة، المقولة المغربية البالغة «كييت لي جات فيه».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *