الدراما التلفزيونية أضحت أشبه بنادٍ مغلق، لا يُفتح إلا لمن تربطه علاقات خاصة بصناع القرار داخل القنوات وشركات الإنتاج، وبالأخص العلاقات مع المستشهرين.

حسن عين الحياة

لا أدري لماذا يتردد في ذهني الآن المثل المغربي القائل: “قال ليه باك طاح.. جاوبو، من الخيمة خرج مايل“.

هل لأنني حكمت مسبقا على إنتاجاتنا الدرامية في رمضان قبل عرضها في هذا الشهر الفضيل؟ أم لأنني، عندما شاهدت ما شاهدته، تأكد لي صدق حكمي المسبق، خاصة أنني لم أرَ في إعلانات البرمجة الرمضانية للقناتين “الأولى” و”دوزيم” ما يمكن أن يضخ دماء جديدة في المسلسلات الدرامية والسلسلات الفكاهية، التي يبدو من خلال حلقاتها الأولى أنها أصيبت بعدوى الرتابة والاستنساخ والانسلاخ التدريجي من الثقافة المغربية؟

وبالتالي، ووفقا للمثل، “مللي طاح الأب”، أي عندما تعثر المستوى الإبداعي في إنتاجاتنا الدرامية، فإن سبب “الطيحة” أنها “خرجت مايلة من الأول”، من السيناريو إلى الكاستينغ، ثم الأداء والإخراج والإنتاج أيضا.

اليوم، ونحن في الأسبوع الثاني من الشهر الفضيل، يمكن القول إن ما مضى من الوقت يكفي للحكم على الإنتاجات الرمضانية لهذا العام.

ودون تسرع، يمكن القول أيضا إن المشاهد المغربي، الذي كان ينتظر وجبة درامية دسمة تُرضي ذوقه وتغذي فكره وتحترم ذكاءه، يجد نفسه مرة أخرى أمام الوجوه نفسها، والقصص نفسها، والأسلوب السطحي نفسه، الذي بات علامة مسجلة للإنتاج التلفزيوني الرمضاني في المغرب.

لقد بات يُخيَّل للمرء وكأن المشهد السمعي البصري الوطني صار أشبه بممتلكات خاصة لفئة محددة من الممثلين والمخرجين، إذ لا جديد يُذكر سوى إعادة تدوير أسماء “محظوظة”، حتى لا أقول أصبحت مستهلكة، وأفكار مكرورة مستنسخة عن تيمات تم “تكرارها” في عديد المسلسلات والسيتكومات المغربية، كـ”الإرث” و”مشاكل الأزواج مع الحماة والضيوف والجيران…” وغيرها كثير. وهذا النمط، أو بالأحرى هذا التنميط، جعل المشاهد المغربي يفقد شغفه، إذ يكفي أن تشاهد حلقة أو حلقتين من أي مسلسل مغربي رمضاني حتى تتنبأ بكل ما سيحدث لاحقا، سواء على مستوى الحبكة أو أداء الشخصيات. بل إن بعضهم يتساءل مثلي: “ماعرفتش فين شايف هاذ الشي!”.

ولأننا نحن المشاهدين لا نملك سوى طرح الأسئلة، ما دامت الأجوبة حبيسة صدور أصحاب “الحل والعقد” في التلفزيون، فإن التساؤل يمتد أيضا إلى الحد الذي يجعلك تشعر بأنك “ما فاهم تا وزة”، خاصة حين تجد نفسك مجبرا على مشاهدة ممثلين معينين يحتكرون الشاشة عاما بعد عام.

فبغض النظر عن مستواهم الإبداعي، الذي يزيد وينقص بحسب قوة السيناريو، وإدارة الممثل، ورؤية المخرج، وتكوينهم المستمر أيضا، وبغض النظر عن كوننا نريد لهم الاشتغال في مجال تقل فيه فرص العمل، إلا أن وجودهم في هذا العمل أو ذاك، وفي هذه القناة أو تلك، وعلى حساب “تغييب” فنانين موهوبين، ورواد، ومخضرمين، يدفعنا إلى التساؤل: هل مرد هذا الوجود المتكرر لممثلين بعينهم يعود إلى موهبتهم الفذة التي لا يمكن تعويضها؟ أم أن هناك أسبابا أخرى، غير فنية، تتحكم في هذه الاختيارات؟

ومهما كان الجواب (والذي لن نتوصل به طبعا)، فلا شك أن الجمهور، الذي يعبر عن انطباعاته في وسائل التواصل الاجتماعي، صار يُدرك أن الدراما التلفزيونية أضحت أشبه بنادٍ مغلق، لا يُفتح إلا لمن تربطه علاقات خاصة بصناع القرار داخل القنوات وشركات الإنتاج، وبالأخص العلاقات مع المستشهرين.

علما أن هناك وجوها شبابية واعدة تبرز في منصات أخرى، كالمسرح والسينما، وأسماء فنية بارزة تحمل خلفها تاريخا من الإبداع، بل وتحفز أسماؤها النوستالجيا لدى المشاهد المغربي، لكنها تظل مغيبة عن الدراما الرمضانية.

قد يقول قائل إن مشكلة الدراما المغربية المعروضة في رمضان، سواء أكانت مسلسلات أم سيتكومات أم “كبسولات”، تعود بالأساس إلى أزمة أخرى، هي السيناريو. وهنا أقول: لدينا كتاب كبار في هذا المجال، لكنهم “مغيَّبون” بدورهم، أو يتراجعون إلى الخلف حين يُطلب منهم تفصيل قصص لا علاقة لها بالواقع المغربي.

وقد يضيف آخر أن المشكلة تكمن في شركات الإنتاج، التي تبحث فقط عن الربح، وفي اعتقادها أن هذا الممثل أو تلك الممثلة هما مفتاح النجاح، فلا تهتم هذه الشركات بمسألة مشاركة الممثلين في أعمال أخرى. وبالتالي، لا ضير عندها في أن يطل هؤلاء على المشاهدين من أكثر من عمل وقناة، ما دامت الشركة قد “فازت” بمشاركتهم و”بس“.

وقد يقول قائل إن المشكلة الأولى والأخيرة تكمن في الممثلين أنفسهم، لقبولهم العمل في أربعة أو خمسة أعمال معروضة في شهر الصيام.

قبل أيام، كشف لي صديق واسع الاطلاع على المجال الفني في المغرب والعالم العربي، أنه في مصر مثلًا، وفي غياب قانون يحدد عدد مشاركات الفنانين في الإنتاجات الدرامية خلال العام، فإن الممثلين الكبار لا يقبلون على أنفسهم المشاركة في أكثر من عملين في السنة، وليس في رمضان وحده.

وذلك لاعتبار بسيط، هو أنهم يرفضون تكرار أنفسهم، حيث يكتفون بعمل أو اثنين فقط. مع العلم أن ما يجنونه من مال في مسلسل واحد كفيل بسد احتياجاتهم طيلة العام.

أما في إنتاجاتنا الدرامية، فإن ما يجنيه الممثل موضوع آخر، ينطبق عليه المثل القائل: “هبش تجبد حنش”.. ودوزو بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *