“الدار مادير حانوت، ولكن الحانوت يدير الدار”، هذا هو المثل الذي يبدو ان سياسة البلاد تسير بها، لذلك تتعثر المشاريع الاجتماعية و تسرع الحكومة في انجاز المشاريع الاقتصادية.
بقلم الدكتور سدي علي ماء العينين
قبل سنة رسم المغاربة ملحمة في التضامن مع ضحايا الزلزال، مسيرات من المساعدات لا نقدر كلفتها المالية أكثر من اعتزازنا بالصورة الرائعة التي تم تسويقها للعالم عن مغرب متآزر وقوي بتلاحمه.
ورأينا بأم أعيننا حزم الدولة و مبادراتها في إنقاذ العالقين، واستخراج الناجين وجثامين الشهداء، وعاينا حرص جلالة الملك في مشاركة رعاياه مصابهم وقراراته الاستعجالية لإعادة الأمور الى نصابها وأحسن، وخاصة إعادة إيواء ضحايا الزلزال الذين يسكنون الخيام و يبيتون في منازل مهددة بالانهيار بسبب تشققاتها الناتجة عن الزلزال.
وضع جلالة الملك خطة متكاملة لتجاوز آثار هذه الكارثة الطبيعية، شملت العملية كل الجوانب المرتبطة بإعادة إدماج الساكنة في الحياة اليومية العادية احسن مما كانوا عليه من قبل.
البناء في المناطق الجبلية و بالعالم القروي ليس بالأمر الهين والسهل، والدراسات في بلادنا تتطلب وقتا وجهدا واجتهادا، وعملية البناء تحتاج اسابيع وشهور بسبب الحجم الهائل للدور المبرمج تشييدها والمرافق المصاحبة لها .
وكان طبيعيا وسط هذه الإجراءات ان تحدث إنفلاتات هنا وهناك بسبب جشع البعض سواء من السلطة والمنتخبين او من الساكنة المتربصين، وكلهم يصنفون ضمن تجار الازمات.
بعد سنة و شهور، اصبحنا امام مسيرات معاكسة وهذه المرة من مناطق الزلزال الى العاصمة الرباط للإحتجاج على الاوضاع المزرية التي يعيشها المواطنون العزل بعد التساقطات المطرية والثلوج و حر الصيف والعواصف الرعدية.
هناك شح في المعلومة، وغياب تواصل جاد، وحدها بعض الخرجات المحتشمة لبعض الوزراء يذكرون الضحايا في معرض حديثهم، و بعض الارقام الخجولة يتم عرضها في روبورتاجات تلفزية على المقاس .
هل فشلت الحكومة في تدبير ملف إعادة إيواء ضحايا الزلزال؟
ام فشلت في وضع خطة للتواصل تبرز مراحل الإنجاز ولا تظلل المتابعين حول الوضعية المزرية لساكنة الخيام؟
ام ان صوت سماسرة الازمة تشوش على العمل المنجز، و تضخم المسيرات لربح سكن على حساب الضحايا؟
لقد وضع المشروع الملكي جدولة لإعادة الإيواء كما حددت لوائح المستفيدين من ميزانية الترميم و الاصلاح، فهل شابت اللوائح خروقات؟
اسئلة كثيرة يطرحها موضوع إعادة إيواء ضحايا الزلزال بنفس الدرجة التي يطرح فيها ملف ضحايا الفيضانات، واصبحنا امام وقفات مخزية امام البرلمان ومشاهد تذكرنا بتظاهرات ارامل ومتقاعدي القوات المسلحة الملكية و رجال المقاومة.
امور يصعب على عاقل ان يستوعب وجودها في مغرب اليوم، وكأن هناك خلل في مكان ما يجعلنا نعلي من شأن امور و نتهاون في أخرى.
اجرينا إحصاء عاما لكل ساكنة المغرب في شهر واحد، وعجزنا عن حصر الاسر المحتاجة للدعم وضبط المؤشر و تعجيل التعويضات منذ ازيد من سنة كاملة ولازال الملف متعثرا!!!!
اعلنا انطلاق اعادة بناء ملاعب ضخمة وبكلفة اضعاف مضاعفة لما خصص لضحايا الزلزال، وكل يوم نعاين تقدم الاشغال بشكل خرافي في هذه الملاعب، لكننا في نفس الوقت متعثرون في إعادة الإيواء سواء لضحايا الزلزال او الفيضانات!!!!
قد لا نحتاج لكثير من الجهد عندما نبحث عن اسباب هذه الفوارق في التعامل مع المشاريع بين الأقتصادية و الإجتماعية؟
يكفي ان نقر بكل نزاهة فكرية، ان المشاريع الاجتماعية الملكية تحتاج الى حكومة اجتماعية تعطي الاولوية للمواطن، ونحن امام حكومة ليبرالية تبدو عاجزة عن مناقضة هويتها وتغليب الاجتماعي الذي ليس من اولوياتها.
في المقابل، المغرب في ورش ملكي اقتصادي كبير ويحتاج الى حكومة ليبرالية لتنجزه وتنزله، ولن يجد الملك احسن من هذا المزيج بين التكنوقراط و الرأسماليين ليقدموا وصفة ليبرالية منسجمة مع التوجه الملكي.
أيهما نغلب؟ وكيف السبيل لحل هذه المعضلة؟
التوجه السائد يقول باننا كلما نجحنا في الاقتصاد يتأثر الاجتماعي وتقدم له حلول، لكننا إذا اعطينا الاولوية للاجتماعي فإننا سنثقل كاهل الدولة .
“الدار مادير حانوت، ولكن الحانوت يدير الدار”، هذا هو المثل الذي يبدو ان سياسة البلاد تسير بها، لذلك تتعثر المشاريع الاجتماعية و تسرع الحكومة في انجاز المشاريع الاقتصادية.
وبلا مزايدة سياسية، فقد كان المعول على حزب محافظ مثل حزب الاستقلال ان يكون الاستثناء في هذا التحالف بإسماع صوته دفاعا عن المشروع الاجتماعي لخلق التوازن داخل الحكومة التقنوقراطية.
لكن ذلك لم يحدث.
هنا يبدو اننا فعلا نحتاج الى حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات القادمة حتى نكون في توازن تام بين المواطن ونمو بلاده في افق 2030 .
لكن ولان المواطنيين لازالوا تحت الخيام، فحري بنا ان نجعل هذا الملف رهانا لنا جميعا في 2025، ونريد في افتتاح البرلمان في اكتوبر المقبل ان يزف جلالة الملك لكل المغاربة اننا طوينا ملف الزلزال و الفيضانات و لنعطي انطلاقة ورش ادماج القرى في تنمية المدن .
حلم ورهان ومقترح برنامج عمل كلنا معنيون به، فهل تعتبرون؟.