هذا المسجد لم يكن مقره هو هذا الحي في أمستردام، بل تم ترحيله عام 1984 من قبو كنيسة، كان المغاربة الأوائل يؤدون فيه الصلاة منذ 1974.
أمستردام- عبد الرحيم أريري
رغم وجود 450 مسجدا بهولندا، فقد فضلت زيارة المسجد الكبير بأمستردام، لثلاثة اعتبارات:
أولا: المسجد الكبير هو “بنك جينات الهجرة المغربية الى هولندا”، إذ أن وجود المسجد لصيق بالبدايات الأولى لتوافد المهاجرين المغاربة على هذا البلد.
ثانيا: المسجد الكبير يعد أحد أقدم المساجد، ليس بأمستردام وحدها، بل بكامل هولندا.
ثالثا: أزيد من ثلث المساجد بهولندا، هي مساجد تابعة للمغاربة ويمولها مغاربة هولندا، ورغبت في الوقوف على الفضاءات التي يمارس فيها أبناء جلدتي طقوسهم الدينية، علما أن باقي المساجد بالمدن الهولندية (حوالي 250 مسجدا )، موزعة الانتماء والتمويل بين الأتراك والكويت والسعودية وإيران والصومال وغيرها من البلدان.
المسجد الكبير يوجد بحي Weesperzijde بشرق أمستردام على ضفاف نهر Amsel ، وهو عبارة عن طابق سفلي يمتد على مساحة تقارب 350 مترا مربعا، موزعة على المرافق الصحية ومكتب اجتماعات الجمعية التي تديره وبهو وقاعة كبرى للصلاة.
هذا المسجد لم يكن مقره هو هذا الحي، بل تم ترحيله عام 1984 من قبو كنيسة، كان المغاربة الأوائل يؤدون فيه الصلاة منذ 1974.
ميلاد هذا المسجد، ارتبط بالهجرة المغربية إلى هولندا، فبعد توقيع اتفاق 14 ماي 1969بين المغرب وهولندا، لتصدير اليد العاملة لمواجهة حاجياتها للآيادي لتحريك محركات الاقتصاد المحلي، عرفت “الأراضي المنخفضة” تدفقا هائلا للمغاربة، لدرجة أن عدد المغاربة انتقل من حوالي 4000 شخص في مطلع الستينات من القرن العشرين إلى 20 ألف فردا مع مطلع عام 1972.
وحسب دراسة شيقة للمؤرخة الهولندية ذات الأصل المغربي، “نادية بوراس” Nadia Bouras (خريجة جامعة أمستردام)، يمكن تحقيب هجرة المغاربة إلى هولندا إلى ثلاث حقب:
الحقبة الأولى (1960\1973):
وهي حقبة تميزت بمبادرات فردية لمغاربة انتهزوا فرصة إعادة إعمار البلاد بعد الحرب العالمية الثانية للهجرة بحثا عن أفق اقتصادي أجمل، وعددهم لم يتجاوز حينها 4000 فردا.
الحقبة الثانية (1973\1985):
تميزت هاته الحقبة بترخيص هولندا للمهاجرين باستقدام أفراد أسرهم في إطار التجمع العائلي. وهو ما أدى إلى انفجار ديمغرافي، من أبرز تجلياته تزايد كبير في عدد المغربيات بهولندا. إذ انتقل عددهن من 864 امرأة عام 1972( تاريخ بدء هولندا في إحصاء المهاجرين)، إلى 25 ألف مغربية سنة 1980. أما اليوم، فالمغربيات يمثلن 49% من مجموع مغاربة هولندا (عددهم حاليا يصل إلى 415 ألف مغربيا، نصفهم من الجيل الثاني والثالث).
الحضور البارز للمغاربة في هولندا، لا يتطلب بذل جهد كبير لمعاينته، إذ من أصل 100 مواطن في مدينة أمستردام، نجد 9 منهم من أصل مغربي. فهذه المدينة تضم لوحدها 20% من مجموع المغاربة(تضم لوحدها 80 ألف مغربي)، فيما يتوزع الباقي بالأساس على مدن أخرى مثل: روتردام، لاهاي وأوتريخت، وقلة قليلة في باقي البلدات والمدن الصغيرة.
وإذا عدنا لدراسة “نادية بوراس”، نجد أن كل حوض جغرافي مغربي اختص في “تصدير” المغاربة لهاته المدينة الهولندية أو تلك،
فالمغاربة المنحدرون من تطوان وورزازات يشكلون الأغلبية بمدينة أمستردام.
والمغاربة المنحدرون من الناظور ونواحيها يمثلون الأغلبية في مدينتي روتردام وأوتريخت.
أما المغاربة المنحدرون من إقليم الحسيمة فعددهم هو الغالب في مدينة لاهاي.
الحقبة الثالثة (1985\ إلى اليوم):
وهي الحقبة التي تميزت بهيمنة المغاربة كثاني جالية أجنبية بهولندا، حيث يشكل المغاربة حوالي 2،5% من مجموع سكان هولندا (إحصاء 2022).
منهم الصالح ومنهم الطالح، منهم الطبيب والمحامي والأستاذ والموظف والمهندس والسائق والمقاول والعاطل.
منهم رؤساء جمعياء وعمداء مدن وقادة سياسيين في الأحزاب الهولندية ورياضيين متألقين في الأندية المحلية، ومنهم أيضا المجرمون والقتلة المأجورون وزعماء مافيا الكوكايين.
*مدير النشر بجريدة أنفاس