بعض من مواطنينا ممن يعجبهم الظهور للجمهور كمثقفين ووطنيين بدرجة أعلى من وطنية مواطنيهم، وتحت ذريعة ضرورة “إنشاء المغرب العربي الكبير” (هكذا وبهذه العبارات)، وباسم وحدة اللغة والدين والتاريخ المشترك، و “النضال المشترك ضد الاستعمار”… تحت ذريعة هذه الأمور التي آمنّا بها جميعاً في وقت من الأوقات، انبرى هؤلاء، على قلة عددهم، لكيل التبخيس والاحتقار وكيل الشتائم المبطنة لمن يسمونهم “بعض من بني جلدتنا الذي تخصصوا في سبّ الجارة الجزائر”!
ليعلم هؤلاء المثقفون العارفون الذين ألفو هرطقات الحلقيات بشتى مشاربها العقدية والأيديولوجية، ان المغاربة الذين “تخصصوا في سبّ الجزائر” يمثلون في هذه الساعة الأغلبية الساحقة. وبالرغم من أنني لست من أنصار الإجماع القاتل لحرية الرأي الفردي والناكر لها، فشخصياً اصطف معهم، ليس لسبّ الجزائر وأهلها، بل للردّ على مجموع السباب والهمز واللمز والتنقيص من المغرب ومؤسساته، والتشكيك في شرعية مساراته السياسية وشرعية حكامه وملوكه، ونشر الأخبار الزائفة عن ملكه صباح مساء، ليس بلسان المواطن الجزائري العادي فحسب، بل بلسان حكامه من شنگريحة إلى الرئيس التبّون، وبلسان مؤسساته الإعلامية الرسمية العمومية والخاصة…
فما يقوم به مواطنوكم من المغاربة في هجومهم المضاد ضد الجزائر والجزائريين مجرد دفاع شرعي عن النفس…وشخصياً أفهمه واتفهمه بالنظر للأمور التالية وهي وقائع ملموسة وليست مستقاة من القواميس السياسية للبروباگندا التي يبدو ان مثقفينا هؤلاء ضحايا لها رغم بلوغ غالبيتهم من الكِبر عتيّا … فهاكم هذه الوقائع الخطيرة جدا التي غابت عنكم وجعلتكم تعيشون في عالم من الحقائق البديلة:
1- في اتجاه التنشئة الاجتماعية والسياسية للجزائريين…منذ السبعينات من القرن الماضي عكفت الحكومات الجزائرية بقيادة العسكر على زرع عقيدة واحدة ووحيدة في البرامج المدرسية وداخل “الأجهزة الأيديولوجية للدولة” Appareils idéologiques d‘État هي عقيدة “المغرب العدو الكلاسيكي للجزائر”… وعليه أسائل مثقفينا العارفين اكثر من غيرهم، كيف سيشبّ أطفال الجزائريين على مدار أربعين وخمسين سنة وعلى ماذا سيشبون ان لم يكن على كره كل ما هو مغربي والعداء للمغرب وشعبه وحكامه وأحزابه ومؤسساته؟ وإذا قلت لي انه بالرغم من ذلك فهم “يحبوننا ” ويحبون المغرب والمغاربة ولا يريدون به شرّاً، فسأدرك للتّو انك تشتم وتنقّص من ذكائي وتشتم ذكاء المغاربة…
وفي المقابل، فالمغاربة يتحدوكم ان تنشروا على صفحاتكم الفايسبوكية ولو مجرد بداية تحريض على الجزائر في الكتب المدرسية المغربية أو في أي من وسائط التنشئة السياسية في المجال المدني أو المجال العسكري…وهو امر طبيعي بالنظر إلى أنكم في المغرب أمام دولة تامة الأركان تشتغل بدون انقطاع على مدى ألف ومائتي عام بالتمام والكمال، وليس مجرد “رحبة ديال العصابات”…
2- في اتجاه المجتمع العسكري État militaire …ان برامج الإدارة العسكرية المكلفة بالدعم الأيديولوجي لجنود المستقبل داخل الثكنات وأكاديميات التكوين العسكري ومنذ عقود عديدة، في مجموعها تصب على تقديم المغرب والمغاربة كالاعداء السرمديين للجزائر وكخونة للثورة الجزائرية وكطامعين في الأراضي الجزائرية بحكم الطابع التوسعي للمخزن المغربي وبفعل تحالفه مع قوى الامبريالية والرجعية والاستعمار دون نسيان الصهيونية، وتكالبه على الأمن القومي الجزائري…فكيف سيكون تكوين الجندي الجزائري والحالة هذه ان لم تكن عدائية تجاه المغرب والمغاربة؟! وكيف ستكون مواقفه تجاه المغرب ومؤسساته وشعبه؟!
3- فبالنظر لهذه الأمور التي لا تخفى إلا على من تكلّس فكره ورفض البحث في الوقائع وعوّضها بترديد الأناشيد الموروثة من الخمسينات من القرن الماضي، وبالنظر إلى ما يذاع يوميا وبدون انقطاع بالصوت والصورة في الجزائر عن المغرب والمغاربة ومؤسساتهم وتاريخهم وحضارتهم، ماذا كنتم تنتظرون من المغاربة؟ أن يكونوا كاثوليكيين إن صفعوا على الخدّ الأيمن سلموا الخدّ الأيسر للصفع باش نتوما تبقاوا تغنّيوا علينا أسطوانة المغرب العربي الكبير؟ مع أنكم تعلمون من دمّر حتى فكرة المغرب الكبير، وتعلمون كيف استطاع المغرب ان يضع خطة تكامل اقتصادي وسياسي حديث يذهب ابعد من المغرب الكبير ليضم بلدان افريقيا الساحل من نايجيريا إلى طنجة مرورا بإحدى عشر بلدا بالتمام والكمال…ولم يقفل الباب في وجه الجزائر إذا دارت عقلها وشافت مصلحتها…
ومن اليوم فصاعدا أقول لهؤلاء والذين بيني وبينهم سابق معرفة: قيلوني ووقّروني عليكم قبل ما نبدا ندوي بالمعقول!.
عبد اللطيف اكنوش -جامعي