“الرواية المغربية حققت نجاحات عربية مشهودة، لكن النجاح المذكور تحقق بفضل المجهودات الشخصية للمبدعين وليس برعاية أي جهة كانت”. مصطفى لغتيري.

مصطفى لغتيري قاص وروائي مغربي، من مواليد 1965 بالدار البيضاء، رئيس الصالون الأدبي المغربي سابقا وعضو اتحاد كتاب المغرب.

يعد من رواد الجيل الثالث من القصاصين المغاربة والعرب.

له أكثر من عشر روايات آخر اصداراته  لهذه السنة رواية بعنوان “الاطلسي التائه” الصادرة عن دار الآداب.

بإلإضافة إلى مجموعات قصصية عديدة ونصوص أدبية نقدية تزخر بها المكتبات المغربية والعربية على حد سواء.

ولا ننسى الجوائز التي توجت بها كتاباته الإبداعية منوهة بقيمة إنتاجاته الأدبية :

 جائزة النعمان الأدبية من لبنان

 جائزة الثقافة بلا حدود من سوريا .

 جائزة دار الحرف للرواية من المغرب…

في سعي دائم الى إناطة  تلكم الإبداعات مهمة الإنصات والبوح بالعديد من الظواهر الاجتماعية التي يتخبط فيها واقعنا المغربي والعربي على حد سواء، يغذيها بتجربته الإبداعية وبصدق إحساسه وإخلاصه وتفانيه فيما يقوم به، وتنوير طريق الأجيال الصاعدة بمد حبل العلم والمعرفة .

بدوري أردت أن أرتشف من معين تجربته الروائية والإبداعية عموما، فكان هذا الحوار الممتع في جو من الأريحية والتلقائية.

*أجرت الحور -فرح الزهراء

ـ البداية بطبيعة الحال ستكون مع فعل الكتابة وما الذي تمثله للأستاذ مصطفى لغتيري؟

تمثل الكتابة بالنسبة لي أسلوب حياة، فمنذ أن اخترت أن أندمج بشكل كلي في هذا الفعل الوجودي وجدت نفسي أبتعد تدريجيا عن أي فرصة لاختيار المصير، أقصد أن الكتابة أضحت جزءا كبيرا من هويتي، بفضلها عرفت نفسي جيدا، بل أعدت تشكيلها بشكل مختلف، كما أنها أتاحت معرفة العالم المحيط بي بشكل أفضل وأعمق. 

الخلاصة لا أستطيع العيش بدونها. 

وحين أقول الكتابة فأقصد القراءة كذلك لأنني لا أراهما منفصلين عن بعض في حياتي إلا بشكل إجرائي.

ـ على ضوء كتاباتكم المتنوعة والمختلفة وخاصة الروائية منها ما الحيز الذي يحتله الخيال بين طياتها؟ هل يمكن القول بأن الإبداع كيفما كان نابع من تجارب واقعية محضة ترتبط بشخصية الكاتب كما هو الأمر في روايتكم حب وبرتقال الصادرة سنة 2014؟.

غني عن البيان أن “الخيال رأس مال الكاتب” وبدونه لا يساوي الكاتب شيئا، طبعا قد يكون الواقع المنطلق للكتابة، ومن تجارب الكاتب الحياتية وقراءاته يغترف الشرارة الأولى لإبداعه، لكن لا مناص من الخيال لتطوير عمله والمضي به قدما ليتخذ شكلا إبداعيا مختلفا عما يكتبه غيره.

أما بالنسبة ل”حب وبرتقال” فهي عبارة عن سيرة روائية بما يعني أن السير ذاتي يؤثثها بقوة، لكن للخيال نصيبا فيها.. إنها سيرة الطفل الذي كنته يوما أو تخيلت أنني كنته في علاقته بأمه.

ـ في إطار الحركة الرقمية وهيمنة شبكات التواصل الاجتماعي ونزوع الشباب نحوها وإهمال دور الكتاب وأهميته كما هو معروف، ما الوسائل أو الآليات التي من خلالها تحاولون التخفيف من هذه الهوة بين القارئ والكتاب ؟وهل لكم تجارب في هذا المجال تلمستم ثمارها من خلال ردود فعل المتلقي؟.

عكس ما هو شائع فالثورة الرقمية لم تقتل الكتاب بل ساهمت في إنعاشه، فبفضلها أصبح الترويج للكتب بشكل كبير وسريع، كما أنها يسرت التواصل ما بين المبدعين ودور النشر ووسائل الاتصال بأنواعه والدوريات الثقافية.. ويمكن البرهنة على أن الرقمنة ساهمت في الترويج أكثر للكتاب بأن الدول الأكثر رقمنة هي بالذات الدول الأكثر مقروئية.

 كيف تنظر إلى الرواية المغربية اليوم وما موقفكم منها؟

تحقق الرواية المغربية اليوم مزيدا من النجاحات، فقد رسخت نفسها كجنس أدبي مهم وطنيا وعربيا، فإصداراتها في تزايد مستمر، كما أن حضورها لافت في الجوائز العربية كجائزة الرواية العربية البوكر مثلا، كما أنها تحظى بالاهتمام من قبل دور النشر المشرقية بشكل يدعو إلى الفخر. 

الرواية المغربية بخير، يساهم في كتاباتها الآن الرواد الذي لم يترجلوا عن صهوة الإبداع بعد، والكتاب الجدد والشباب الذي التحقوا بالركب وخلقوا لها زخما مشهودا.

ـ مع المجهودات التي تقوم بها جهات مختلفة تعنى بتشجيع رواد الإبداع على التقدم عن طريق منحهم جوائز تكون بمثابة دافع قوي لتجديد مهاراتهم وتطويرها لتتجاوز الحدود الجغرافية وتخلق حيزا لها في المحافل الدولية ،ما وضع الرواية المغربية اليوم ؟هل هي في طريقها نحو التألق ام أنها لا زالت تتخبط في أزقة المحلية؟.

عطفا على ما تقدم في السؤال السابق فالرواية المغربية حققت نجاحات عربية مشهودة، لكن النجاح المذكور تحقق بفضل المجهودات الشخصية للمبدعين وليس برعاية أي جهة كانت، فمؤسساتنا الثقافية للأسف غارقة في البيروقراطية وغياب الرؤية الواضحة والإرادة السياسية، التي تجعل من الثقافة  قاطرة للتنمية، لذا سيظل المبدعون بمفردهم يحملون على أكتافهم صخرة الإبداع عموما والرواية خصوصا دون أن يحظوا بالتفاتة معبرة من قبل الجهات المعنية. 

ـ أنتم وفي ترجمتكم لبعض أعمالكم للغات أجنبية وبالنظر الى حركة الترجمة التي تسعى إلى نقل ثقافة الآخر ومن أجل خلق حوار مع مختلف الآداب الأخرى ،في نظركم إلى أي حد يخدم هذا العلم العالم العربي والمغربي خاصة ونحن في صدد حلم بلوغ العالمية؟.

للأسف الترجمة في المغرب معزولة عن سياقها المؤسساتي، تعتمد فقط على مبادرات فردية، لذا نجدها بعيدة كل البعد عن نقل الإبداع المغربي إلى الآفاق العالمية الرحبة، ما ترجم لي إلى حد الآن بسيط عبارة عن قصص قصيرة وأخرى قصيرة جدا إلى بعض اللغات كالانجليزية التي مثلت فيها قصتي” الحلم ” في الأنطولوجيا الإفريقية الأمريكية، وبعض القصص إلى الإسبانية وأخرى إلى الفرنسية والإيطالية، كما بلغني أن روايتي أسلاك شائكة بصدد الترجمة إلى اللغة الاسبانية، لكن كل ذلك لا يعفينا من القول أن واقع الترجمة في بلادنا غير مشرف، ولا يمكنه أن يقدم أي خدمة للإبداع الأدبي.

ـ عبر تجربتكم الإبداعية ومن خلال معاينتكم للإنتاجات العربية في مقابل ما ينتجه الغرب، ما الذي يجعل هذه الأخيرة تلقى إقبالا من لدن العرب في حين أننا لا نجد العكس ؟هل علينا أن نكتفي ونقول بأننا أمة اقرأ لا تقرأ وكفى وبالتالي لا ننتج ما يستحق ،أم أن هناك عوامل أخرى تتدخل في خلق هذا النوع من القصور ؟.

طبعا المقارنة هنا صعبة، فالغرب قطعا أشواطا طويلة في الكتابة الإبداعية، ورسخ تقاليد في الكتابة والقراءة، ويتوفر على مؤسسات ضخمة تولي أهمية قصوى للفعل الثقافي، كما أن الأمية شبه منعدمة لديهم، فضلا على توفرهم على بنية تحتية ثقافية تيسر تداول الكتاب وتسويقه: كما أن الإعلام يساهم بشكل كبير في الدعاية للكتاب، في حين نجد في المغرب والدول العربية أن الكاتب يناضل بمفرده في حقل مليء بالألغام، فما زال لدينا الكاتب الذي يكتب ويطبع الكتاب على نفقته ويروجه بنفسه، وفي نهاية المطاف لا يحصد سوى الهشيم.

ـ بالعودة إلى أعمالكم الروائية وبالتزامن مع المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء لسنة 2015 صدر لكم حديثا عن دار الآداب رواية جديدة بعنوان “الأطلسي التائه” ما القيمة التي أضافتها لمساركم الروائي ؟إذ الظاهر في الرواية ولمن سبق له الاطلاع عليها أن طريقة السرد مختلفة نوعا ما عن سابقاتها ؟ما السبب في ذلك ؟وما الدافع ورائه؟.

رواية ” الأطلسي التائه” جاءت بعد تراكم لا بأس به أي بعد اثنتي عشرة رواية وعشرين كتابا، وربما يكون هذا الأمر قد ساهم في جعلها أفضل، كما يمكن الأمر فقط يتعلق بأنها صدرت عن دار نشر عربية كبيرة “دار الآداب” التي تنتقي بكثير من الصرامة الكتب التي تصدرها، شخصيا أعتبر أنها رواية مثل باقي رواياتي، لكنني تناولت فيها موضوعا مختلفا يتعلق بإعادة كتابة حياة شخصية صوفية، وهي شخصية” أبي يعزى الهسكوري” الذي عاش في الفترة الانتقالية ما بين حكم المرابطين وحكم الموحدين، أما أسلوب الرواية فحاولت فيه أن يكون متساوقا ومنسجما مع موضوعها.

ـ في إطار الحركة النقدية الرائجة في الساحة العلمية أو بما يعرف بالدراسات الثقافية الآن التي اعادت الاعتبار للتجربة الإنسانية وخاصة منها التجربة التاريخية باعتبار أن الخطاب الأدبي جزء لا يتجزأ من المتخيلات الثقافية التي يبدعها المجتمع سواء للتعبير عن الذات أولا وعن الاخرين ثانيا،فما مدى تمثلكم لهذا القول ؟وهل يمكننا الحديث عن أنساق ثقافية متنوعة داخل روايتكم الجديدة؟.

طبعا لا يمكن للأدب إلا ان يكون معبرا عن الأنساق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي ينطلق منها، لهذا انتبه النقد إلى هذا الأمر وأولاها أهمية كبرى، فلقد عمدت الدراسات النقدية قبل ظهور هذا التوجه الحديث على التجزيء فمنها ما يهتم بالنص في ذاته كالبنيوية ومنها ما يهتم بالكاتب كالمنهج النفسي، ومنها ما يهتم بالظروف الاجتماعية كالمنهج الاجتماعي ومنها ما اهتم بالقارئ كالمنهج السيميائي، ولعل هذا التوجه التي تتزعمه الدراسات الثقافية يمكنه أن يحيط بالظاهرة الإبداعية من جميع جوانبها، وإن كان الأمر عسيرا ولا يتأتى بنفس الوهج دائما.

ـ سؤالي في الاخير فضولي نوعا ما هل تعقدون العزم في المشاركة بروايتكم الأخيرة بإحدى الجوائز العربية ؟.

أظن أن الناشر من سيقوم بذلك، على الأقل على المستوى العربي لأن من شروط الجوائز الجديدة أن ترشحها دور النشر وليس الكاتب.

فقط أتمنى لها حظا سعيدا، لكن في حقيقة الأمر أعتبر أن الجائزة قد حصلت عليها حين كتبتها وحظيت بالنشر من دار نشر كبيرة، كما أسعدني جدا الاهتمام الإعلامي الذي حظيت به على المستوى الوطني والعربي والإقبال عليها بكثافة من قبل القراء في معرض الكتاب الأخير.

-كلمة أخيرة’

أشكرك على هذا الحوار الممتع، الذي لامس كثيرا من القضايا الأدبية المهمة، وأتاح لي الفرصة لأعبر عن رأيي في بعض الموضوعات المطروحة بحدة في الساحة الأدبية في وقتنا الحالي، متمنيا لك ولزملائك في المجلة الطلابية في الجامعة كل التوفيق في مساركم العلمي.

*بدوري أرجو لكم أستاذ مزيدا من التألق والتوفيق والسداد في مسيرتكم الادبية ،وأشكركم على أريحيتكم وسعة صدركم التي هيأت لنا هذا الحوار، وعلى دعمكم جزيل الشكر.

* طالبة باحثة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *