الكوفية ارتبطت بالحركة الطلابية المغربية امتدادا للحركات التحررية التي تبلورت خلال المرحلة الاستعماربة، المناهضة للاحتلال.

منذ أن كنا صغارا ندرس في الإعدادي ونحن ننظر إليها على أساس أنها رمز لقضية كنا نساهم شعبا وحكومة ونظاما في دعمها، حتى بتذاكر الدخول إلى قاعات السينما التي كانت تُقتطع منها نسبة معينة من أجل دعم المقاومة.

قناة دوزيم كانت قد قدمت قبل سنوات برنامج نوستالجيا حول الأديب المغربي الراحل محمد زفزاف وهو لازال على قيد الحياة، ودخلت كاميرا القناة إلى بيته وحاورته، وهو يرتدي الكوفية، ولم يتخل عنها طوال تصوير الحلقة.

الكوفية قطعة ثوب ملحقة بلباس.

يتم استعمالها شالا محيطا بالعنق.

نعم إن للكوفية رمزية.

لكن هل هناك لباس ما ليس له رمزية؟

هل الكرافاطا التي تحيط بالعنق ليست لها رمزية وخلفية ثقافية قد يعتبرها البعض أجنبية استعمارية؟

هل تلك القبعة السوداء الطويلة المربعة من الأعلى التي يضعها الطالب فوق رأسه لحظة تخرجه من معهد أو مدرسة أو لحظة حصوله على شهادة جامعية عليا، أمام أنظار الأساتذة والعمداء ورؤساء الجامعات، هي قبعة مغربية ذات رمزية وطنية أم هي تقليد لبروتوكول أجنبي استعماري؟

في أحد الأيام دخلت طالبة إلى القسم صباحا كي تحضر درسا كنت سألقيه في المدرسة.

الطالبة سيدة محترمة ولطيفة ومؤدبة.

لكنها في ذاك اليوم دخلت مرتدية قبعة كبيرة من النوع الأمريكي مستديرة وذات حافة طويلة مثل الشاشية التي ترتديها النساء الجبليات.

بدا لي الأمر غير اعتيادي.

وكانت تلك القبعة مناسبة لفتح نقاش حول التواصل عن طريق الملابس بحكم أن المادة كانت تتعلق بالتواصل.

اتفقنا أن أي لباس له وظيفة قد تكون وظيفة وقائية أو وظيفة طقسية أو وظيفة جمالية. 

الوظيفة الوقائية هي حين يكون الهدف من اللباس هو ارتداؤه من أجل تجنب التعرض لسوء، مثل الملابس التي يرتديها عمال المناجم أو العاملون في أوراش البناء أو الذين يقومون بجلب العسل من خلايا النحل أو الأطباء الجراحون الذين يشتغلون في قاعات العمليات، أو غيرهم.

الوظيفة الطقسية هي حين يتعلق الأمر بممارسة اجتماعية خاصة قد تكون مرتبطة بالعبادة أو بالتعببر عن البهجة أو بالمنافسة. مثل الملابس التي يرتديها المتعبدون في أماكن العبادة، أو تلك التي يرتديها الرياضيون في أماكن المنافسة الرياضية حسب طبيعة كل نوع من أنواع الرياضة.

في المسجد من غير المعقول أن يرتدي المصلي الشورط والحذاء.

وفي الملعب من غير المعقول أن يرتدي اللاعب الجلابة أو القندورة.

هناك نظام متفق عليه.

الوظيفة الجمالية هي حين يكون الهدف هو الزينة أو إخفاء عيب ما.

مثلا، قد يعتبر الرجل أن الصلع عيب، ولا يقبل أن يكون أصلع،  فيخفي صلعته بواسطة قبعة.

وقد تعتبر امرأة أن شعرها ينبغي تغطيته، فتتفنن في اختيار طريقة تغطيته بواسطة الفولار، محاولة أن تظهر في شكل جميل، وهكذا.

الطالبة التي كانت ترتدي القبعة الأمريكية الشبيهة بالشاشية الجبلية لم تتوفق في تفسير وظيفة قبعتها في تلك اللحظة.

فهي لم يكن هدفها أن تقي رأسها من أشعة الشمس لأن القسم كان محميا من الشمس. وعلى المستوى الجمالي كانت القبعة رديئة من النوع الرخيص الذي يُباع في الأسواق بثمن لا يتجاوز خمسين درهما. ثم إن الحصة في القسم لم تكن حصة استعراض في فنون الأزياء بحيث يمكن أن نتباهى فيها بارتداء ملابس غريبة من أجل الزينة.

ثم إن الطالبة كانت ترتدي الجلابة والفولار وفوق الفولار تضع تلك القبعة العجيبة، فكانت تبدو مثل مهرج السيرك، وفق ذوقي أنا. أما هي ربما كانت تعتقد أنها تبدو أفضل من أن تكون دون قبعة.

بعد النقاش حول تلك القبعة لم تعد الطالبة ترتديها.

سألتها قبل نهاية هذه السنة: هل جرحتك يا سيدتي حين منعتك من ارتداء القبعة في القسم؟

أجابتني: لا. أبدا.

لا أعرف هل أجابتني بصدق أم فقط على سبيل المجاملة.

قد أكون أخطأت معها.

جلّ من لا يخطئ.

وهذا ما كان.

*أحمد الدافري/ أستاذ وخبير في التواصل والاعلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *