قبل عشرين عاما سيقول القاص المغربي الراحل إدريس الخوري، في حوار خالد مع «الشرق الأوسط»، كلمته للتاريخ حول واقع ومستقبل المشهد الثقافي المغربي.
لقد كان الخوري، جريئا كعادته في نقد المشهد الثقافي المغربي، حين قال إنه « مليء بالدخلاء والمتطفلين».
في هذا الحوار الذي كان من توقيع واحدة من رائدات الصحافة الثقافية في المغرب والعالم العربي الزميلة سعيدة شريف، فضح القاص المغربي ما يعتمل داخل كواليس منح الجوائز إذ قال : لم أحصل على جائزة بسبب سيطرة المجاملات والصداقات على النقد الحقيقي.
جريدة le12.ma، تعيد نشر هذا الحوار الذي ينتقد بغيرة واقع المشهد الثقافي المغربي، ويعكس واقع اليوم الذي تدهور بشكل مخيف عن حالة المغربي الثقافي، قبل عشرين عاما.
الرباط: سعيدة شريف
يعد الكاتب والقاص المغربي ادريس الخوري أحد الأسماء البارزة في الابداع القصصي بالمغرب، فقد شكل الى جانب المبدعين الراحلين محمد شكري ومحمد زفزاف ثلاثي الابداع الأدبي المتميز الذي خلف صدى كبيرا في المشرق والمغرب.
والخوري على عكس أغلب الكتاب العرب الذين يتخذون من كتابة القصة قنطرة الى المرور للرواية، ظل وفيا لهذا الجنس الأدبي الذي راكم فيه مجموعة من الانتاجات القصصية المتميزة هي: «حزن في الرأس والقلب» (1973) و«ظلال» (1977)، و«بدايات» (1980)، و«الأيام والليالي» (1982)، و«مدينة التراب» (1994)، ثم مجموعته القصصية «يوسف في بطن أمه» الصادرة عام 1994. لكن منذ ذلك التاريخ لم يصدر القاص ادريس الخوري أي مجموعة قصصية، وفي المقابل أصدر العديد من الكتابات الأدبية والفنية، كما انشغل بكتابة المقالة الصحافية لمجموعة من الصحف المغربية والعربية.
في هذا الحوار يكشف ادريس الخوري لـ «الشرق الأوسط» عن سر ارتباطه بهذا الجنس الأدبي وعن مشروع كتابته لسيرته الذاتية، وعن رأيه في جائزة المغرب للكتاب وفي الجدل الدائر حولها الآن بالمغرب بسبب رفض القاص المغربي بوزفور لها، وعن تعامل النقد المغربي مع كتاباته ومسألة الاعتراف بالجيل الجديد من الكتاب الشباب.
وفيما يلي نص الحوار:
* منذ مجموعتك القصصية «يوسف في بطن أمه» الصادرة عام 1994، لم تصدر لك أي مجموعة قصصية، فهل توقفت عن كتابة القصة أم أنك تحولت الى جنس ابداعي آخر؟
ـ بالعكس أنا مازلت أكتب القصة القصيرة الى الآن ولكن بشكل جد بطيء لأنني انشغلت أكثر بكتابة المقالات لصحيفة «الصحيفة الأسبوعية» وصحف أخرى، وذلك راجع لظروفي المادية، التي تزامنت مع تقاعدي منذ ثلاث سنوات عن العمل، ذلك أن راتب التقاعد لا يكفي لسد متطلبات الحياة اليومية. ولذلك فكلما اختليت بنفسي أجدني أكتب نصا قصصيا جديدا، فكتابة القصة صعبة جدا لأنها تتطلب نصا قصصيا مكثفا من حيث اللغة والموضوع والسرد والحوار، ومن حيث الفضاء العام لهذا السرد القصصي. وقد انتهيت أخيرا من كتابة مجموعة من القصص وأنا الآن بصدد مراجعتها وتشذيبها، وسأدفعها خلال هذه السنة الى مطبعة بالدارالبيضاء. لكن منذ مجموعتي القصصية الأخيرة «يوسف في بطن أمه» أصدرت كتبا أخرى تندرج في اطار السرد الأدبي والنقدي والفني. وهذه الكتب هي: «قريبا من النص بعيدا عنه»، و«كأس حياتي». دون أن أنسى تجميع العديد من المقالات حول السينما والمسرح التي ستصدر قريبا في كتاب بعنوان «فوق الخشبة.. أمام الشاشة».
لم أطلق القصة القصيرة، لأنها مجالي الخاص ومنفذي الى رصد تمظهرات المجتمع والعلاقات الانسانية والتحولات النفسية الكثيرة. ورغم السنين التي قطعتها، فلم ولن أتخلى عن كتابة القصة.
* أنت من الكتاب القلائل الذين بدأوا بكتابة القصة واستمروا فيها دونما الانتقال الى الرواية، فما الذي يمنحه لك السرد القصصي حتى تظل وفيا له؟
ـ بقيت مخلصا لجنس القصة القصيرة لاعتبارات ذاتية وموضوعية. أولا لأن جنس القصة القصيرة بالمغرب ما زال لم يراكم نفسه بشكل غزير، فكل كاتب بالمغرب لديه مجموعة أو مجموعتان أو ثلاث مجاميع على اقصى تقدير، وهذا ليس بالشيء الكثير بالنسبة للمغرب، فرغم ظهور مجاميع قصصية لدى العديد من الكتاب من الجيل الستيني الى الآن، لا أعتقد أن هذا يشكل تراكما كميا بقدر ما أراه تراكما نوعيا. اخلاصي للقصة القصيرة نابع من ضرورة تحسيس القارئ بأهمية هذا الجنس الأدبي، لأن القصة القصيرة هي اختصار لفضاء استثنائي وخاص يحاول من خلاله الكاتب أن يقبض على لحظة انسانية معينة في مكان وزمن معينين، بخلاف الرواية التي أرى أنها تتسع لكثير من الانشغالات والحكي والطول والقصر. أرى أن الرواية في المغرب أصبحت موضة، فبعض الكتاب بدأوا كتابة الرواية بشكل مباشر، حيث لم يجربوا القصة القصيرة ثم كتبوا الرواية دفعة واحدة. وهذا الكم المتوفر الآن في المغرب من الروايات ليس كله جيدا، فبعضه متوسط والبعض الآخر رديء. ونظرا لأنها أصبحت موضة كما قلت، فقد بدأ يكتبها بالمغرب بعض المؤرخين وبعض الأساتذة الجامعيين الآتين من حقول الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، الذين لا يتوفرون على طاقة كبيرة على السرد بشكل جيد. ولهذا فأنا أعتبر كتاباتهم مجرد محاولات روائية أكثر مما هي روايات بالمفهوم الكلاسيكي أو بالمفهوم الحديث.
* وأنت ألا تفكر في كتابة الرواية؟
ـ الرواية لا تشغلني كثيرا ولا تشكل هما أساسيا بالنسبة لي، أي أنها لا تأخذ حيزا كبيرا من تفكيري. فبامكاني أن أكتب الرواية وبسهولة تامة ولكنني لا أريد حتى لا أكون شبيها بالآخرين. وهذا لا يعني أنني لا أكتب الرواية، بالعكس فلدي مشروع كتابة سيرة ذاتية وقد وصلت فيها الآن الى حوالي 90 صفحة. فأنا أكتبها ببطء، وهي ليست سيرة ذاتية فضائحية كما هو الشأن مع سيرة شكري أو غيره، بل هي رواية سيرة تؤرخ لطفولتي ولمراهقتي ولكبري، أي لفترة الأربعينات والخمسينات في الدارالبيضاء وبالضبط بدرب غلف وحي المعاريف وانتقالي بعدها الى الرباط. ولهذا فأنا لم أنقطع عن الكتابة الابداعية ولكن كتابة المقال الصحافي هي التي تأخذ من وقتي الشيء الكثير وتؤثر على الكتابة الابداعية.
* مرت الآن 30 سنة على صدور مجموعتك القصصية الأولى «حزن في الرأس والقلب»، ومع ذلك لم تحصل قط على جائزة المغرب للكتاب مثلك مثل المبدعين الراحلين محمد زفزاف ومحمد شكري. فلماذا برأيك لم تمنح لك الجائزة؟ وما رأيك فيها؟
ـ أولا مسألة عدم حصولي على جائزة المغرب للكتاب يعود الى لجان القراءة التي تتحكم في اعطاء الجوائز لبعض الكتاب. وأعتقد أنني كنت مرشحا لجائزة المغرب للكتاب لعام 1991 بمناسبة صدور مجموعتي القصصية «مدينة التراب». وحسب بعض الاخوة الذين كانوا مسؤولين آنذاك بوزارة الثقافة فقد حصلت على أعلى النقاط ولكن موقف بعض أعضاء اللجنة وهم جامعيون كان مخالفا لهذا الرأي، وبالتالي لم تعط لي الجائزة وأعطيت لشخص آخر. أرى أن أعضاء لجان القراءة يتعاملون مع النصوص الأدبية باسلوب المجاملة، وأنا أولا لست جامعيا ولا أريد أن أكون كذلك، ولهذا لم أنل اعجابهم لأنهم لا يتذوقون الأدب بشكل جيد ولا يفهمون أبعاده الفنية والجمالية. ولهذا فأغلب الجوائز منحت لجامعيين وقليل من خارج الجامعة هم من حصلوا عليها. وهذا أعتبره غبنا كبيرا تجاه الابداع ككل وليس لي فقط أنا بالذات لأنني لم أطلب الجائزة ولم أرشح نفسي اليها أبدا والى الآن. من العيب والعار ألا يحصل المبدعان الراحلان محمد زفزاف ومحمد شكري مثلا على أي من الجوائز بالمغرب. فهذا الأمر فيه نوع من الغبن في حق الكاتب الذي لا ينظر اليه إلا حينما يمرض أو يموت!
* على ذكر الجائزة ما رأيك في الجدل الذي أثاره رفض القاص المغربي أحمد بوزفور لجائزة المغرب للكتاب؟ وما قراءتك لهذا الحدث الثقافي بالمغرب؟
ـ من حق القاص أحمد بوزفور أن يعلن عن موقفه برفض الجائزة أو قبولها، ذلك أنني أحترم رأيه، فهو صديق وزميل أعزه كثيرا، وأرى أنه من غير المعقول أن تعطى الجائزة لجنس القصة مناصفة مع جنس الشعر، بل يجب أن تمنح لجنس معين بذاته. ومع ذلك فأنا أعتبر أن رفضه للجائزة رفض ذاتي، أما مسألة ربط رفضه للجائزة بالوضع السياسي في المغرب فأنا أعتبره مزايدة من طرف الصديق بوزفور. كان عليه أن يحدد في بيانه الأشياء الأساسية مثل وضع القراءة المقلق بالمغرب، الذي تحدث عنه في بيانه، وكنت أتمنى أن يظل البيان في إطار الوضع الاعتباري للكاتب بالمغرب. لكن بيان بوزفور حينما ركب على الموجة السياسية حاد عن طريقه برأيي، فبوزفور ليس أول كاتب بالمغرب يرفض جائزة المغرب للكتاب فقد سبق ورفضها المفكران محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ورفضها الكاتب عبد القادر الشاوي في الأول ومن بعد قبلها. فرفض بوزفور بقدر ما خلخل المشهد الثقافي بالمغرب بقدر ما جعل مسانديه يعمدون الى تصفية حساباتهم مع زملائهم وعلى رأسهم رئيس اتحاد كتاب المغرب. وهذه برأيي نماذج تزايد على بوزفور نفسه وعلى المشهد الثقافي بالمغرب وتسيء الى القاص أحمد بوزفور.
* تمتاز كتابتك القصصية بدقة المعالجة البصرية والاعتناء بتفاصيل اليومي المعيش لدرجة تصبح معها هذه الكتابة استثنائية، أفلا يمكن اعتبار ذلك نتيجة لاهتمامك بالسينما والتشكيل وممارستك للصحافة؟
ـ لقد لعبت الصحافة دورا كبيرا في تكويني الثقافي العام، حيث جعلتني أنفتح على تعابير ابداعية أخرى كالسينما والتشكيل والمسرح باعتبارها أجناسا تعبيرية ونوعا من الكتابة أيضا. كما أنني في اطار مهنتي الصحافية كنت مطالبا بتغطية مجموعة من الأحداث الثقافية والفنية التي يلعب فيها المسرح والسينما والتشكيل دورا أساسيا. وهو ما جعلني أكتشف عوالم وتقنيات هذه الفنون التي أعتبرها كتابة من نوع آخر. هذا بالإضافة الى أنني أحب أن أدقق في الأشياء وفي تفاصيلها، فإذا كانت لدي كتابة بصرية فهذا لا يعني أنها كتابة فارغة من الداخل، بل هي كتابة وراءها جانب نفسي حكائي. فحينما أقدم مثلا حالة انسانية معينة فأنا أعكس الحالة النفسية لهذه الحالة الانسانية من خلال تتبعي لها ورصدي لحركاتها وسكناتها. أعتقد أن لدي قدرة على التقاط الأشياء والتفاصيل، التي تؤثث القصة تأثيثا لغويا وفنيا أحاول من خلاله تشخيص هذه الحالة للقارىء، حتى لا أعطيه قصة مبهمة، فهي تبدو واضحة ولكن فيها إشكال والتباس على القارىء.
* يحضر المكان بقوة في نصوصك القصصية ولكن غالبا بلا اسم، على عكس الكتابات المصرية مثلا التي تحتفي بالمكان وتؤرخ له من خلال الأعمال الابداعية، فلماذا يظل المكان في نصوصك عموميا؟
ـ لست الوحيد من الكتاب المغاربة الذين يغيب لديهم اسم المكان، فهذا الأمر تجدينه لدى محمد زفزاف ومحمد الهرادي وأحمد بوزفور ولدى العديد من كتاب القصة بالمغرب الذين لا يسمون المكان باسمه الحقيقي. وبرأيي فإن المكان حينما يسمى يفقد رمزيته، فجميع أماكن نصوصي تنتمي الى الدارالبيضاء وبعضها الى الرباط، وأفترض أن القارىء يفهم ذلك وأترك له فرضية التخمين حتى لا تسقط القصة في نوع من المباشرية والتسطيح. لا أرغب في تسمية المكان حتى لا تفقد القصة بعدها الأدبي والفني والرمزي.
* عرفت الكتابة القصصية لديك تحولا، حيث بدأت برصد الواقع وانتقلت الى الوصف، ثم تحولت القصة لديك الى ميتانص تسمع فيها القارئ صوتك النقدي الذي غالبا ما يسخر من المناهج النقدية. فهل لجأت الى هذا النوع من الكتابة لتنصف أعمالك الابداعية التي لم ينصفها النقد؟
ـ هذا صحيح لأنه في السبعينات والثمانينات ساد بالمغرب، في الحقل الثقافي، نوع من الخطاب النقدي الجامعي المأخوذ أغلبه من الكتابات النقدية الفرنسية. وهذا الخطاب انتشر بدرجة كبيرة وأصبح يطبق على النصوص المغربية بشكل تعسفي يميع النص الأدبي ويحدث اسقاطات مجانية على النص المغربي. لا أعتقد أن نظرية بارث يمكن أن تنطبق على كتاباتي أو على كتابات الراحل محمد زفزاف أو على مبارك ربيع أو عبد الكريم غلاب، فبارث اعتمد في تحليلاته على نصوص كلاسيكية لبلزاك وراسين وديدرو، إنه ابن بيئته ويتحدث عن نصوص بلده. فلماذا نتكئ على عكاكيز نقدية أجنبية ونقرأ بها نصوصنا؟. فالناقد المفترض يأخد منهج بارث أو جوليا كريستيفا ويتناول النص المغربي سواء كان رواية أو مجموعة قصصية ويجزئه الى وحدات مثل كبش عيد الأضحى. ولهذا فهذا النقد بقدر ما أراد أن يخدم النص الأدبي بقدر ما أساء له بسوء فهمه وبتطبيق نفس الوصفات المنهجية على جميع الكتاب، إنه برأيي نقد جاهز يحاول أصحابه تطبيقه على جميع الكتاب، هذا مع العلم أن لكل كاتب عالمه ومتخيله الخاص ومواضيعه ولغته الخاصة. لذلك تجدينني في بعض نصوص مجموعتي القصصية «مدينة التراب» أسخر من هذا النوع من النقد الذي ربما لم يجد في نصوصي ما يرغب فيه وفضل البحث عن نصوص سهلة تساعده على تطبيق المناهج الغربية. وعلى العموم فالنقد بالمغرب فيه الكثير من المجاملات والصداقات وفيه أيضا من الجهد والمعرفة والبحث ما يغنينا عن هذا النقد الجامعي المقتبس.
* هل باكان الكتابة الابداعية المغربية اليوم أن تخلق الناقد الضروري لها؟ وماذا تقترح ككاتب في مجال النقد؟
ـ أعتقد أن النص الأدبي هو الذي يخلق لغة نقدية تابعة له ولا يمكن للنقد أن ينجز خطابه بعيدا عن النصوص. فالى الآن ما زلنا نفتقد لذلك النقد الذي يفسر العمل الأدبي تفسيرا نصيا بدون تأويل، لأن التأويل هو الخطأ الذي يقع فيه النقد الحديث. وما ينقصنا في المغرب هو النقد الذي يقرب النص الأدبي الى القارىء وينظر اليه كما هو من حيث التيمة واللغة وتعدد الأصوات والفضاء العام. كثيرة هي المقالات النقدية التي نقرأها ولكنها قليلة التي تتمكن من القبض على النص وتفهمه، ولهذا فعلى النقد أن يفهم النص الأدبي قبل كل شيء.
* في تصريحاتك الأخيرة صرت تتحدث بشكل عبثي عن الكتابة، فهل يمكن أن نفهم أنك لم تعد تؤمن بجدوى الكتابة؟
ـ يحدث لي أحيانا هذا الشعور بلا جدوى الكتابة في مغرب لا يقرأ من جهة، ومغرب لا يعطي أي أهمية للكاتب ولا الاعتبار الذي يستحقه. ومن جهة أخرى فخارج اهتمام الدولة بالوضع الاعتباري والرمزي للكاتب فوضعيته وضعية غير صحية، فهو عنصر غير مفهوم في المجتمع، ويشكل استثناء داخل النسيج المجتمعي الذي لا يفهم ما معنى الكاتب. بالاضافة الى أن المناخ الثقافي بالمغرب أصبح مليئا بالحساسيات الزائدة وبالحقد والحسد والنميمة والمزايدات الفارغة. إن هذه العوامل تجعلني أحيانا أنفر من الكتابة وأرفضها، فهي لم تمنح لنا في النهاية سوى المشاكل مع أصحاب المهنة أنفسهم وليس مع الدولة، هنا ينطبق علينا المثل المغربي الذي يقول «خوك في الحرفة عدوك». إن المشهد الثقافي بالمغرب مشهد ملوث يعرف الكثير من الدخلاء ومن «المتطفلين» الذين يخلقون حروبا وهمية فيما بينهم ويبحثون عن زعامات وهمية ويتسلقون السلالم بشكل انتهازي. كل هذا جعلني أنعزل ولا أرغب في الدخول في الجو الثقافي العام، خصوصا أن جزءا كبيرا من المثقفين بالمغرب أصبحوا سيئين وحقودين ومعقدين للغاية، وأنا أقولها وأتحمل مسؤولية ما أقول.
* عرفت السنوات الأخيرة بالمغرب تراكما مهما في مجال الابداع القصصي، كما عرفت تكتلات نوعية حول هذا الجنس الأدبي من مثل: «نادي القصة القصيرة بالمغرب»، «جماعة الكوليزيوم القصصي» و«مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب»، ما رأيك في ابداعات هذا الجيل الجديد وفي مغامراته التجريبية؟ وهل بامكان هذه التكتلات أن تخدم هذا الجنس الابداعي وان تعمل على تطويره؟
ـ صحيح أن المشهد الثقافي في المغرب تعزز بأصوات جديدة شابة بعضها واعد والآخر عادي، فهذه التجمعات بقدر ما هي تعزز المشهد القصصي بالمغرب، بقدر ما تعرقله بحساسياتها الزائدة المشتركة. إن تجمعات مثل الكوليزيوم ونادي القصة هي إضاعة للوقت، فعوض أن يعمد الكاتب الشاب الى البحث عن أدوات ومواضيع جديدة للكاتبة، نجده يسقط في المزايدات والحساسيات والخصومات والحروب الصغيرة. أما «مجموعة البحث في القصة القصيرة» فهي الوحيدة التي أراها تعمل بشكل ايجابي وتخلص لجنس القصة القصيرة بجد وتحاول إضافة أفكار ومقترحات جديدة إليه، بل تعمل على تحبيب القصة لجمهور القراء بالمغرب. أنا شخصيا ضد البيانات، ولهذا فعلى هذه التجمعات ككل أن تتخلص من البيانات وأن تهتم كثيرا بالكتابة الابداعية لأنها هي العنصر الأساسي. وما ألاحظه على هذا الجيل هو أنه جيل غير مؤدب، يرغب في حرق المراحل بسرعة من أجل الشهرة، ويسيء الى الجيل السابق بمواقفه المتنطعة وبتحديه لما راكمه الجيل السابق عليه. وأنا لا أحتاج أن أذكر بعض الأسماء التي ساهمت في ابرازها لما كنت أشتغل في صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» والتي تنكرت لكل ما قمت به من أجلها وأصبحت تتحدث بنوع من النرجسية ومن الانتفاخ الذاتي.
* هل الاعتراف بالجيل الجديد يخلق لك مشكلا ككاتب؟
ـ لا بالعكس فأنا لست وصيا على أي أحد، فقد ساهمت كما قلت لك سابقا في التعريف بالعديد من هذه الأسماء في الملحق الثقافي بصحيفة «الاتحاد الاشتراكي». ليست لدي أية حساسية تجاه هذا الجيل، فهم الذين يحسون بنوع من الانتفاخ والنرجسية ويخلقون وهما بأننا ضدهم، هذا مع العلم أننا كتاب مثلهم ولسنا مؤسسات. أنا أختلف معهم في مفهومهم للكتابة وفي طريقة اشتغالهم ولكن مع ذلك فأنا أحترمهم جدا. فادعاؤهم بأننا لا نعترف بهم، كما يصرحون لبعض الصحف والمجلات المشرقية والكتاب المشارقة الذين يتملقون لهم، ادعاء باطل بدليل أن العديد منهم ينشر في العديد من المجلات والصحف المغربية.
*نشر يوم الاثنيـن 24 ذو الحجـة 1424 هـ 16 فبراير 2004 في العدد 9211 من جريدة الشرق الاوسط
في صفحة: فضاءات.