في رحاب الأعياد المباركة، تتجلى الروح الإنسانية في أبهى حللها، وتتجدد الذكريات العطرة والأمنيات الصادقة على ضفاف الأنهار الخالدة وفي أحضان المدن العريقة.

وما أروع أن نسلط الضوء على عيد الأضحى المبارك، تلك المناسبة السامية التي تتجسد فيها أسمى معاني الإيثار والتضحية، كما تحتفي بها مدينة كوستي الفيحاء على ضفاف النيل الأصيل، ومدينة الرباط الأنيقة على ضفاف نهر أبي رقراق العذب.

في ربوع كوستي الطيبة بالسودان، حيث يتناغم خرير مياه النيل مع أهازيج العابدين وتكبيراتهم، تبدأ التحضيرات لاستقبال العيد قبل أيام من حلوله، وتعج الأسواق بالمحتفين والمقبلين على شراء أجود الأضاحي التي ترمز لجوهر هذه المناسبة العظيمة.

وتجتمع العائلات في مشهد مهيب حيث يعود الغائبون للاحتفال مع أسرهم، والأطفال يركضون في الأزقة والحارات وهم يرتدون الجلاليب البيضاء الناصعة كالفل، وتتلألأ عيونهم البريئة بفرحة غامرة لا توصف، ويملأ المصلون الساحات والميادين، ويرفعون أكف الضراعة شكرًا وحمدًا لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.

 

تقاليد العيد العريقة

أما في الرباط الأنيقة، تلك المدينة الساحرة التي تغفو على ضفاف نهر أبي رقراق، فتكتسي الاستعدادات طابعًا فريدًا بعض الشيء. الأسواق تعج بشتى أنواع البضائع والزينة التي تضفي على العيد رونقًا خاصًا.

وتحرص العائلات على شراء خروف الأضحية “الحولى” بأصنافه المتعددة التي تتراوح بين السردي، وبني كيل، وأبي الجعد، وتمحضيت، إضافة إلى سلالة الدمان.

كما يجب تجهيز معدات الشواء و”البولفاف” اللذيذ، الذي يعد الطبق الرئيسي الذي تحرص كل أسرة على إعداده فور ذبح أضحية العيد، ويتكون من الكبد الملفوف والقلب والطحال، ويتم شواؤه على الفحم ليكتسب نكهة مميزة، ويقدم مصحوبًا بسلطات منعشة وخبز محلي وشاي أخضر منعش.

أما النساء فينشغلن بتحضير “التقلية” أو “الدوارة”، وهو طبق يتألف من رئة وأمعاء الأضحية بعد تنظيفها بعناية، كما يتم إعداد العديد من الأطباق الأخرى التي يكون اللحم فيها النجم الأساسي.

ومن العادات المتأصلة لدى النساء في هذه المناسبة، تحضير “القديد”، الذي يشابه “الشرموط” في كوستي إلا أن الفرق في أنه متبل بمزيج خاص من البهارات والتوابل، ثم يضاف إليه الخل البلدي المميز، ويتم تعليق شرائح اللحم على حبال في الهواء الطلق حتى تجف تمامًا وتصبح جاهزة للاستخدام لاحقًا.

أما الشباب، فلهم دور مهم أيضًا في هذا اليوم، حيث يتولون مهمة “التشواط”، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث يجتمع مجموعة من الشبان ويخصصون مكانًا لشواء رؤوس الأضاحي وأرجلها نظير مبلغ رمزي متفق عليه، ليشاركوا بذلك في أجواء العيد.

روح واحدة

بين كوستي والرباط، تتنوع العادات والتقاليد في الاحتفاء بعيد الأضحى، لكن الروح تظل واحدة، روح الألفة والمحبة والعطاء. في كوستي، يتبادل الناس الزيارات الودية ويتقاسمون الأطايب، فالجميع يتوق لمشاركة الجيران والأصدقاء فرحة العيد، أما في الرباط، فتتسم الاحتفالات بلمسة عصرية، لكنها لا تفقد جوهرها الروحاني والتقليدي الأصيل.

في هذين العالمين الساحرين، على ضفتي نهرين خالدين، تتجلى معاني العيد في أسمى صورها، وتتلاقح الثقافات والتقاليد في مزيج فريد يحتفي بالإنسانية والقيم النبيلة.

فعيد الأضحى في كوستي والرباط يتخطى كونه مناسبة دينية ليصبح تجسيدًا للروح الإنسانية الصادقة، وتعبيرًا عن التلاحم والتآخي بين الشعوب، وتذكيرًا بأهمية التضحية والعطاء في زمن تسوده الأنانية والفردية.

وفي النهاية، تبقى كوستي والرباط نموذجين مشرقين لمدن تحتفي بالعيد بروح صادقة وأصيلة، وتجسد أسمى القيم الإنسانية النبيلة. فهنيئًا لأهل كوستي والرباط بهذه الأجواء الإيمانية الصافية، وكل عام وأنتم بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات