لم يكن «النمس»، مهتما كثيرًا بقرابين العبيد وغيرهم، بقدر ما كان «النمس»، يبحث عن الظهور إلى جانب أصحاب السؤدد والهمة والمعالي.

سليكي محمد

*محمد سليكي

 

حاملا “بادج” كتب عليه باللغة الفرنسية، مختصر صفة “مشارك”، ظل النمس يتحرك كما يشاء في أروقة مهرجان مدينة الحضرة والرياح.

كان النمس، كما يُحب أن ينادى عليه من قبل أصحاب الهمم، يظهر ويختفي.

لا أعرف لماذا ذكرني المشهد برواية “الثعلب الذي يظهر ويختفي”، لمحمد زفزاف، الكاتب الروائي المغربي الراحل إبن مدينتي القنيطرة المجاهدة.

هل لأن المشترك بين سهل مدينة الروائي وجبل حفدة الخطابي، مُتعددة أوجه الفخر زمن المقاومة، وأعوام مواجهة سنوات الرصاص …؟

 ربما.. 

هل لأن اليأس إستبد ذات سنوات بحلم المغرب الممكن؟ وحول السياسة إلى غابة بشخوص مستوحاة من شخصيات قصص كليلة ودمنة لكاتبها عبد الله ابن المقفع.

 ربما…

لندع ثعلب زفزاف في روايته العالمية إلى نهاية هذا المقال، ونعود إلى النمس لكناوي ورحلة حصد الريح في مدينة الرياح.

قبل قدوم النمس الى مدينة الرياح، قُرعت طبول كناوة ورفعت أعلام «الليلة»، وأطلقت صناجات «لقراقب» و «الهجوج».

من طقس «النقشة»، إلى جدبة «الملوك»، أو «رجال الله»، فمقام «عيشة قنديشة»..، كان الأسياد والعبيد يتقافزون لتقدم ما يشبه خدمات بقيمة صكوك غفران إلى «النمس الذي يظهر ويختفي».

لم يكن «النمس»، مهتما كثيرًا بقرابين العبيد وغيرهم، الذين كان من بينهم مراهق سياسي من درجة مسؤول وقيادي حزبي، بقدر ما كان النمس، يبحث عن الظهور إلى جانب أصحاب السؤدد والهمة والمعالي.

 لذلك، تسربت مجموعة من الصور للنمس، بتقاسيم وجه متهجم.. لعله يريد إقناع الناس عنوة بأن النمس هو النمس.

 وإنه وإن غاب عن الغاب فهو غابوي الطبع والهوى وعودته إلى أمكنة VIP ، بدأت من مدينة الرياح .

من حق النمس أن يبقى هو النمس، ومن حق النمس أن يعود الى ما يعتقد أنها غاب، ولكن بعد أن يؤدي الحساب.

لن نتحدث عن حساب، افتراسات عديدة لهذا النمس المستعار الأنياب، خلفت فقط الخيبة السياسية.

 لكن سنتحدث فقط عن حساب واحد؟  نتاوله ببسط هذا السؤال الإستفهامي. لماذا سمحت أيها النمس في أبناء قبيلتك ومدينتك وجهتك.. ولم تؤدي الأمانة، بعدما “حطيت السوارت في منتصف الطريق”؟.

تفضل أيها النمس، وقل لهؤلاء الناس حقيقة ما حدث.. وبعدها إبحث لك عن تذكرة عودة.. فالجبل لا ينسى من خدمه كما لا ينسى من خذله…

تفصل وقل الحقيقة، حتى يستريح ضميرك، لا بل جدك أولا. الخطابي دفين المنفى.

لكن أن تظهر وتختفي، وتقل إنك حجزت تذكرة العودة دون أن تكون قد دفعت الحساب، فهذا الأمر يحتمل في تقديري إحتمالان:

الأول: إما أنك «أمكدم» وهذا مصير لا يليق بمن يحمل لقب النمس.

ثانيا : إما أنك «أمدعم».. ولكن بالريح فقط ياعزيزي !. ..

ربما هكذا تبدو الحقيقة، التي إن لم تكن قد أدركتها في مقامك هناك في مدينة الرياح، لاشك أنك ستدركها ذات صباح.

هذا الرأي، يا صديقي النمس، ليس تحاملًا على شخصك ولكن مقارعة صريحة لأفكارك..

لماذا؟.

أولا، لأن مغرب ما بعد دستور 2011 منحك السلطة، فسقطت في سوء الحكامة..

ثانيا، لأن مغرب ما بعد إنتخابات 8 شتنبر 2021، الذي يتطلع إلى المستقبل مسنودا بجبهة داخلية قوية لمواجهة التحديات المحدقة بالوطن، لن يقبل بعودة عبثية تقديم هدايا مجانية تُوقد مصباح انطفأ عبر صناديق الاقتراع..

لا نريد أن يُعيد التاريخ نفسه؟.

لأنه تاريخ أضاع البلاد في عشر سنوات من الزمن التنموي.

القاك لاحقا الرفيق النمس لكناوي…

***

عندما استيقظت لم تكن لدي أية رغبة في الأكل إطلاقاً.

كان الوقت وقت الغروب وأنا لا أحبه. إنه يذكرني بنهاية الكون. كل شيء يرقد لتستأنف المهزلة. المهزلة الكبرى العظيمة.

السيرك الكبير حيث تجتمع الطبائع التي تكرر نفسها عبر التاريخ، الحب، الحقد، العدل، الظلم، النفاق، السرقة، المعاملة الحسنة المغلفة بنوايا خلفية قد تكون صادقة أولاً.

والآن هو المساء مرة أخرى. كل شيء حدث اليوم لكني كنت غائباً عنه. وفي الواقع، حتى لو كانت مستيقظاً فإني في أغلب الأحيان أكون غائباً.

كم من الأشياء تحصل لكنها تتكرر في هذا الزمن أو ذاك. هذا هو المساء وهذه نهاية أشياء بالنسبة لهم، وبداية أشياء بالنسبة لي. ولكن بدونهم، لن تكون هذه الأشياء هي أشيائي. فهم الذين يشعرونني بأنهم لي. إنها لعبة جميلة وقديمة.

جزء من المهزلة الكبرى، جزء من السيرك. وكان علي أن أقمص دوراً في هذا السيرك..

تذكرت قول الشاعر العربي: “إنما العاجز من لا يستبد”. ومع ذلك فقد أصررت على أن أبقى ثعلباَ هذا المساء وألا ألعب دور النعجة.

لكن لا أحد منهم انتبه إلى ذيلي، وأنني في أية لحظة يمكن أن أفترس واحد منهم.

لكنهم دائماً يظلون في غفلة مطأطئ الرؤوس أو رافعيها. يمشون بين الأزقة جماعات جماعات في بطء، وقليل منهم من كان يهرول.

كانوا يتلامسون بالمناكب. وكانت أعناق بعضهم تشرئب لتلامس أعناق آخرين. إنه المساء”.

مقتطفات من الرواية “الثعلب الذي يظهر ويختفي”، التي تدور أحداثها عن قصص من مدينة الرياح، ولا علاقة لها طبعا بشطحات النمس الكناوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *